مع استلام الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة العربية السعودية قال كلمته الشهيرة: «همّتنا مثل جبل طويق» و«طموحنا عنان السماء». في إشارة واضحة الى رؤيته لموقع المملكة المميّز مستقبلاً ليس على الصعيد الإقليمي فحسب بل على المستوى الدولي.
ونظرة الأمير محمد بن سلمان لمكانة المملكة تتلخّص في «رؤية 2030» وهي بمعنى أوضح اعتماد المملكة على مصادر متعددة لقوتها غير الثروة النفطية، فبدأت المملكة مع ولي العهد عصراً جديداً، انتقلت فيه الى قوة اقتصادية وسياسيّة كبرى.
احتاج الأمير محمد بن سلمان الى بضع سنوات لإنضاج فكرته ورؤيته لمستقبل المملكة، ولعلّ ظروف منطقة الشرق الأوسط المعقّدة تساهم في عرقلة أيّ مشروع تطويري، فكيف بمشروع بحجم « رؤية 2030».
صراعات المنطقة هي أكبر خطر ومعرقل على أي مشروع اقتصادي، فالأمن هو الركيزة الأساسيّة بمواكبة الاستقرار للولوج الى نجاح أي مشروع نهضوي، مما يتطلّب علاقات على المستوى الإقليمي والدولي طابعها العام الاحترام المتبادل ومراعاة خصوصياّت الآخرين ومصالحهم.
لطالما ارتبطت المملكة بعلاقات متميّزة مع الولايات المتحدة الأميركية منذ اللقاء الذي جرى على ظهر البارجة الأميركية «كوينسي» بالبحر الأحمر في 14 شباط عام 1945، وكان الأوّل بين الملك السعودي عبد العزيز والرئيس الأميركي روزفلت، ويوصف بأنه وضع حجر الأساس للعلاقات التقليدية الوثيقة بين البلدين. لكنّ الأمور قد اختلفت مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي انتهج سياسة مختلفة عن أسلافه قاطني البيت الأبيض، مما أدّى الى توتر في العلاقة مع المملكة وعلى نفس المنوال سار الرئيس الحالي جو بايدن، بخلاف الرئيس الأسبق دونالد ترامب الذي جمعته علاقة مميزة مع القيادة السعودية، إقراراً منه بأهمية ودور المملكة على الصعيدين العالمي والإقليمي.
اتّبع الأمير محمد بن سلمان سياسة الانفتاح على الدول الكبرى وارتبط معها باتفاقيات تبرز أهميّة دور الرياض ومحوريته، وقد عقد ولي العهد عدّة اتفاقيات مع الصين أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري بين السعودية والصين إلى 87.3 مليار دولار في العام 2021، هذا فضلاً عن مذكرة تعزيز التعاون المشترك في شأن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن 21 والتعاون في الطاقة.
أما على صعيد العلاقة مع روسيا الإتحادية، ففي العام 2017 زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز روسيا وكانت الزيارة هي الأولى لملك سعودي إلى روسيا. ونتج عن الزيارة توقيع اتفاقيات تعاون بين الطرفين، أهمّها اتفاقية لتصنيع بعض الأسلحة الروسية في السعودية.
كما أبرمت السعودية وروسيا، اتفاقاً عسكرياً يهدف إلى تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك بين البلدين، بحسب ما أعلن عنه نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، على هامش معرض المنتدى العسكري التقني الدولي «آرمي 2021».
وتوسّع هامش الاتفاقات بين الرياض وموسكو إلى إقامة ما يُعرف بمنظمة أوبك بلاس؛ إذ اتفق البلدان على خفض إنتاج النفط في عام 2016، بعد انخفاض أسعاره، وهذا الملف هو أكبر مجالات التعاون المشترك بين البلدين. وقد استطاع الأمير محمد بن سلمان الحفاظ على علاقة مميّزة مع روسيا رغم الصراع القائم على الأرض الأوكرانية.
واستكمل الأمير محمد بن سلمان سياسته الهادفة الى نقل المملكة الى موقع الريادة في المنطقة، فعقد الاتفاق الأهم على الصعيد الإقليمي والإسلامي، مع إيران برعاية صينية، مما نقل العلاقات بين الدولتين الى آفاق أخرى.
مما لا شك فيه، أن الأمير محمد بن سلمان قد نجح في جذب الدول الكبرى ودول الإقليم الى رؤيته لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، ونقلها معه بالتالي إلى مجالات التعاون والتطوير الاقتصادي بعيداً عن الصراعات السياسيّة والعسكرية التي تضرّ بمصالح دول المنطقة وشعوبها.
وهنا لا بد من الإشارة الى الواقع اللبناني ومدى تجاوبه مع رؤية الأمير محمد بن سلمان لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، فلطالما كانت المملكة الداعم الأول لقيام لبنان على أسس ثابتة، ولا يقتصر دور المملكة على الدعم الاقتصادي فحسب بل يشمل كافة أشكاله وأنواعه التي ساهمت في خروج لبنان من الحرب عبر اتفاق الطائف وما تبعه من دعم سعودي لا محدود، لكنّ الدعم السعودي قد بدأ منذ زمن بعيد، مع الدور البارز في دعم استقلال لبنان في أربعينيات القرن الماضي.
إنّ مواكبة رؤية الأمير محمد بن سلمان تتطلّب رؤية لبنانية متجدّدة، خاصة من جانب الطائفة السنيّة في لبنان، التي عليها مواكبة التطور في المملكة، فاستناد الطائفة السنية على دعم المملكة حصراً دون مواكبة التحولات قد يعتبر قصر نظر سياسي من قادة الطائفة.
أولى الخطوات الواجب اتخاذها من الطائفة السنية هو حسن اختيار ممثليها لمواكبة مسار الأمور في المنطقة، كما يقتضي من أركان الطائفة التضافر فيما بينهم للقيام بمشاريع إنتاجية تساهم في تطوير أبناء الطائفة اقتصادياً، فلم يعد من الجائز الاتكال على مساعدات المملكة حصراً، دون القيام بما يتوجب على أبناء هذه الطائفة من مشاريع، فضلاً عن وضع خطة مستقبلية تواكب « رؤية 2030»، وعند وضوح المقاصد لدى أبناء الطائفة السنية وأخذهم المبادرة سيجدون المملكة اول الداعمين والمساندين.
لم تقصّر المملكة يوماً في دعم عموم الشعب اللبناني والطائفة السنيّة خاصة عبر إسناد مؤسسات الطائفة بما تحتاجه من أدوات الدعم لتبقى ملاذاً لناسها، غير أن مجرى الأمور يتطلب الانتقال عبر وضع رؤية سنية تواكب مسار الأمور والتحولات الجارية في العالم والمنطقة.