رغم اشتباكات عين الحلوة التي ابقت التوتر مفتوحا في المخيم، فإن الاستقرار اللبناني امنيا وسياسيا لا يضاهيه استقرار، على ايقاع وفاق سياسي يترجم في إعداد البيان الوزاري رغم التباينات الديمقراطية، استعداد لجلسة نيابية تعطي الثقة للحكومة قبل رأس السنة، وأصداء اهتمام دولي بلبنان يزداد، كما بدا في زيارة وزير الخارجية الفرنسية الى بيروت يحض منها على محاورة السعودية وايران. فعلى خطين متوازيين تسير عجلات قطار العهد الجديد بزخم. الاول داخلي يتمثل باتفاق القوى السياسية بمختلف تلاوينها على الاستحقاقات الرئيسية بما يدفع مسارها بقوة الى الامام بعيدا من الافخاخ التي لطالما وضعت في طريقها ، والثاني خارجي تعكسه حركة زيارات الموفدين التي تكاد لا تهدأ مبرزة الدعم والمساندة لاعادة الدولة الى الدولة.
باريس التي ترى نفسها كمنتصر نتيجة نجاحها في تمرير تسويتها التي بدأت باحداث خرق ترشيح فرنجية وانتهت بفكفكة العقد امام وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، بوصفها عرابة التفاهم الذي سيرعى المرحلة المقبلة لبنانيا، قرأت جيدا المعطيات الايرانية، على حدّ قول مصادر ديبلوماسية غربية، فأرسلت وزير خارجيتها الى بيروت ماسكا العصا من الوسط،كاشفا عن عزمه زيارة الرياض وطهران لتثبيت دعائم التوافق اللبناني ،وامكان انسحابه على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها وفقا لاي قانون كان يحفظ التوازنات الحالية ويعيد استنساخ «الحصص» ، مشددا على ضرورة اعطاء الاولوية حاليا لملف اللاجئين وارتباطا تسليح الجيش اللبناني الملح في ظل الاوضاع الاقليمية المرتقبة.
ايرولت الذي ابدى اهتماما لافتا بمعرفة مستقبل العلاقات الايرانية – اللبنانية ومستوى الاتصالات القائمة بين البلدين بعدما بتلغ من فريق سفارته في قصر الصنوبر عن زيارتين بالتوازي لمسؤولين ايرانيين الى لبنان، ابدى نفس الاهتمام بالعلاقات اللبنانية العربية تضيف المصادر نفسها، مستطلعا مدى قدرة وهامش حركة العهد الجديد على احداث خرق في جدار ازمة تلك العلاقات خلال الاشهر الماضية، وامكانية المواءمة بين متطلبات تلك العلاقة والاوضاع السياسية الداخلية بتوازناتها القائمة حاليا.
وفي هذا الاطار، تكشف المصادر ان الاتصالات الفرنسية – السعودية قطعت شوطا كبيرا، وتوصلت الى «اعادة» صياغة لآلية تسييل مكرمة المليارات الاربعة، تستجيب للهواجس السعودية وتؤمن للجيش احتياجاته، وبحسب ما تسرب يقضي اتفاق الاطار الى تمويل صفقات تسليح بالمفرق وفقا لحاجات الجيش الملحة، على ان يكون الاعلام عن المرحلة الاولى خلال زيارة رئيس الجمهورية الى المملكة العربية السعودية المرتقبة مطلع الـ2017، والتي ستشكل بابا واسعا لعودة الخليجيين الى لبنان، في ظل الانفتاح اللافت لرئيس الجمهورية واصرار فريق عمله على ضرورة الاستفادة من «الطحشة الخليجية» لاعادة ترميم العلاقات لما لذلك من اثر ايجابي على «خطة النهوض» الاقتصادي المزمع تنفيذها، خصوصا في ظل الانفتاح الخليجي على الحلول الاقليمية الوسطية واللبنانية القائمة على التوازن بين مختلف القوى دون تفرد او غلبة.
انطلاقا من ذلك يسجل تحرك ناشط للسفارة السعودية باتجاه مختلف التيارات والاوساط بحسب المصادر، والذي يفترض أن يظهر الى العيان الاسبوع المقبل من خلال المأدبة التكريمية الجامعة التي سيقيمها القائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت للمراجع الدينية والسياسية اللبنانية من مختلف الطوائف والمشارب، للتأكيد على حضور المملكة الفعال، وعلى وقوفها على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين ، في تكرار لمشهد المأدبة الرمضانية التي اقامها السفير السابق في لبنان علي عواض عسيري قبل مغادرته لبنان، رغم استبعاد المصادر أن تُعلّق دول الخليج قريبا قرارها بمنع مواطنيها من زيارة لبنان، لافتة الى ان الامر لم يكن مرتبطا بالشغور الرئاسي او بالحكومة السابقة بل بمجموعة عوامل لا تزال موجودة ولا يمكن تخطيها بسهولة.
غير ان مصادر سياسية متابعة دعت الى عدم البناء كثيرا على الزيارة الاستطلاعية الفرنسية، حيث ان باريس دخلت عمليا فترة الانتخابات الرئاسية، وبالتالي اي التزام للادارة الحالية لن يكون بالامكان صرفه، خصوصا ان كل المؤشرات تدل الى انقلاب مزاج الناخب الفرنسي، ما سينعكس على زخم السياسة الخارجية الفرنسية من الآن وحتى منتصف الصيف المقبل.
وفي السياق، قالت مصادر تابعت محطات زيارة الضيف الفرنسي لبيروت ان انعقاد مؤتمر اصدقاء لبنان شكل احد العناوين الاساسية لمباحثاته مع كبار المسؤولين وناقشه بالتفصيل في اجتماعي السراي وقصر بسترس، ليس من زاوية الموعد ،انما من باب المضمون الذي تم التركيز على وجوب تأمين مقتضيات نجاحه لتتواءم النتائج مع التطلعات والآمال المعقودة عليه لجهة تأمين اكبر نسبة من الدعم ليتمكن لبنان من مواجهة الاعباء الملقاة على عاتقه والتحديات الاقتصادية والامنية، مشيرة الى نقطتين اساسييتين على هذا الصعيد ، الاولى انتظار تسلم الادارة الاميركية الجديدة مهامها رسميا في 20 كانون الثاني المقبل، ليتبين في ضوئها نهج وطريقة تعاطي وزير الخارجية الجديد ريكس تيلرسون مع ملفات المنطقة ومن ضمنها لبنان ومدى استعداده للمشاركة والمساعدة، اما الثانية فتبلور طبيعة العلاقات بين لبنان ودول الخليج وما اذا كانت زيارة الرئيس عون الى السعودية ستعيد وصل ما انقطع والعلاقات الاخوية الى سابق عهدها وربما مليارات الهبة لتسليح الجيش والمؤسسات الامنية في حربها ضد الارهاب.