تركت زيارة الموفد الروسي ميخائيل بوغدانوف الى لبنان، سلسلة تساؤلات حول الدور الروسي حيث تبدلت الايام والاحوال لهذا الدور منذ الاتحاد السوفياتي الراحل حيث كان حلفاء روسيا اليوم يعتبرون السوفيات شيوعيين والبعض ملحدين، وبمعنى آخر كان هنالك معسكرين شرقي وغربي، وبالتالي تغيرت التحالفات وذهب زمن الرفاق وحلفائهم من اصحاب الرايات الحمر على الرغم من ان موسكو اليوم على عهدها تجاه رفاق الامس وتعتبرهم من عدة الزمن الجميل ولا تتخلى عنهم. لا سيما الحزب الشيوعي والذي لم يعد دوره كما الماضي بعد البيروسترويكا وتشرذم صفوف هذا الحزب العتيق. وعليه، ثمة ذكريات من تلك الحقبة منذ ايام ليونيد بريجنيف الى اخر العنقود غورباتشوف.
من هنا، زيارة بوغدانوف الى بيروت تقول مصادر متابعة للزيارة انها لم تكن كما سابقاتها من قبل المبعوثين الذين سبقوا رفيقهم الخبير بوضع الشرق الاوسط، ولا سيما في لبنان، وحيث لهم صداقات عديدة مع قيادات لبنانية، ومن لا يتذكر انه كلما امطرت في موسكو انذاك كان البعض في لبنان يحمل «الشمسية» وهنا تجدر الاشارة الى جولات «كوجاك روسيا» الموفد السابق الكسندر سلطانوف الذي له باع طويل بالشأن اللبناني، وتجدر الاشارة ايضا الى العلاقة الوطيدة والتاريخية التي تربط المختارة بموسكو وحيث منذ اسابيع قليلة عاد منها رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الذي تجمعه صداقة قديمة ببوغدانوف، تاليا ان التباينات بين الزعيم الاشتراكي والروس لا تفسد في تاريخ هذه العلاقة قضية حيث يتذكر بالخير دائما الكسندر سولطانوف الذي كان سفيرا للاتحاد السوفياتي في لبنان في حقبة السبعينات ووقف ودعم النائب جنبلاط في مسيرته السياسية، وصولا الى من خلفه لا سيما السفير كولوتوشا الذي اقام له النائب جنبلاط حفلا تكريميا حاشدا في المختارة يوم نقل الى الخارجية في موسكو.
ومن هذا المنطلق، تبرز اليوم متغيرات في اطار هذه العلاقة حيث بات الروس ميالين، اذا صح التعبير، الى قوى 8 آذار على اعتبار انهم يدعمون النظام السوري، ولكن ذلك لا يؤثر، على سبيل المثال، في علاقة الرئيس سعد الحريري بالقيادة الروسية وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء مديديف وحيث كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري اول رئيس حكومة يزور موسكو، وبالتالي هنالك تواصل لهذه العلاقة والامر عينه مع النائب جنبلاط اذ ما زالت العلاقة قائمة والروس لا ينسون ذكرى استشهاد والده كل سنة حيث يضعون اكليلا على ضريحه، وهو الذي حاز على وسام لينين للشعوب.
اما اللافت في هذه الزيارة لبوغدانوف تقول المصادر انها شملت مروحة واسعة من اللقاءات والاتصالات، اضافة الى العنوان الابرز الذي فجره الموفد الروسي عندما دعا الى الالتزام باعلان بعبدا، وذلك بحد ذاته رسالة مهمة للرفاق والحلفاء والاصدقاء والرفاق الجدد، بما معناه يجب التقيد بهذا الاعلان وبالتالي قد يكون له خلفية معينة محورها سعي دولي اقليمي لتسوية للبنان وانتخاب رئيس للجمهورية والبرنامج الرئاسي هو اعلان بعبدا.
وتؤكد اوساط دبلوماسية روسية في بيروت ان موسكو على مسافة واحدة، من الجميع وان بوغدانوف لم يحمل معه صيغة معينة او مشروع حل بل الزيارة استكشافية وللاطلاع على الاوضاع في لبنان، والتركيز جرى على دعم الاستقرار في هذا البلد وصولا الى انتخاب رئيس للجمهورية وتسليح الجيش اللبناني واعتباره خشبة الخلاص لمواجهة الارهاب ولا تستبعد ان يكون للرئيس تمام سلام زيارة لموسكو، كذلك هنالك مواكبة ومتابعة للهبة الروسية للجيش التي حركها مؤخرا الرئيس الحريري عبر الاتصالات التي اجراها مع موسكو، بحيث هنالك تجاوب مع هذا الطلب والتي تعتبره روسيا اساسيا في هذه المرحلة لدعم الجيش، وهذا الامر محور اتصالات على الارض بين المعنيين من البلدين.