من الطبيعي ان ينقسم الافرقاء اللبنانيون بين مرحب بزيارة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني الدكتور علاء الدين بروجردي وبين متحفظ او غير مرحب بها.. بالنظر الى السياسة التي تعتمدها ايران مع الازمات الاقليمية من اليمن الى سوريا مروراً بالعراق وصولاً الى لبنان، كما وبالنظر الى التمادي في سلوكيات التدخل في صلب الشؤون الداخلية لدول الجوار، وتحديداً المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج العربي.. والتي سببت توتراً في العلاقات، والى شبه قطيعة على كل المستويات..
من الطبيعي ان تنعكس السياسة الايرانية هذه على الوضع في لبنان، الذي يتوزع أفرقاؤه بين محورين، محور عربي تقوده – حتى الآن – المملكة العربية السعودية ومحور ايران…
في قراءة مراقبين، فإن زيارة المسؤول الايراني لبنان «تأتي في سياق توجهات ايرانية جديدة في المنطقة، عقب التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا، وتحديداً في حلب وجوارها، وما تشهده الساحة اليمنية من تطورات، وكذلك العراق..
لأيام قليلة مضت وضع مسؤولون ايرانيون من الصف الأول «خطوطاً حمراء».. خلاصتها الاصرار على ان تحكم الغالبية العراق.. وان يبقى الرئيس السوري بشار الاسد في موقعه.. وكذلك بالنسبة الى اليمن والبحرين.. وهذه «الخطوط الحمراء» لا تستقيم مع ما ورد على لسان بروجردي الذي أكد في أول يوم لزيارته لبنان «ان السياسة الثابتة لايران تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى..» ولم يعرف بالضبط من هي هذه «الدول الأخرى». وما اذا كان هذا الكلام يعبر عن رغبة حقيقية في تعديل السلوكيات الايرانية مع سائر الجوار، أم أنه «مجرد كلام» او «شيك بلا رصيد..».
ليس من شك في ان كثيرين لم يقبضوا كلام بروجردي جدياً، خصوصاً وأن ايران لم تقم بأية مبادرة ايجابية تجاه دول الجوار لتصحيح العلاقات ووضع حد نهائي للسياسة التي لم تجلب معها سوى التوترات والتي قاربت في أوقات معينة حد «الحروب المضمرة» خصوصاً وان «الجمهورية الاسلامية» لم تجر قراءة نقدية لادائها منذ اعلان «تصدير الثورة» مع اطاحة الشاه محمد رضا بهلوي وولدت حرب السنوات الثماني مع العراق وما استتبع ذلك في حروب كونية على العراق ولاحقاً في سوريا..
حاولت ايران الافادة القصوى من المسألة الفلسطينية وقامت باحتضان عدد من المنظمات.. وفي لبنان كانت لها اليد الطولى في تعزيز «حزب الله» وقدراته التي وفرت له النجاح في تحرير الشطر الأكبر من جنوب لبنان.. لكن ما جرى ويجري في العراق وفي سوريا، وما يعكس ذلك على الوضع في لبنان وفلسطين وضع المشرق العربي برمته أمام واقع بالغ الخطورة، هو أشبه بالحروب الداخلية وتعزيز المساعي لاعادة تقسيم هذه المنطقة على خلفيات مذهبية واتنية وعرقية.. الأمر الذي اثار غضب عديدين..
ليس من شك في ان العلاقة بين لبنان وايران لا يمكن وصفها بأنها جيدة كما لا يمكن وصفها بأنها سيئة، وتداعيات الأزمتين العراقية والسورية، فضلاً عن أزمة العلاقات بين ايران والسعودية تحديداً، تتجلى بوضوح في مواقف أفرقاء لبنانيين أساسيين باتوا على قناعة باستخدام حق النقض («الفيتو») أمام أي مشروع مستقبلي بين الدولتين، ما لم تصحح ايران علاقاتها مع سائر المحيط الاقليمي وتعتمد فعلاً لا قولاً، سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى..
لا أحد ينكر، ان «الاتفاق النووي» الذي وقعته ايران مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد المانيا، عزز من معنويات هذه الدولة، التي باتت تتصرف وكأنها الدولة الأعظم والأقدر في المنطقة، مستعيدة تاريخ الامبراطورية الفارسية.. لكن ذلك، لم يكن له من نتيجة سوى اقفال أبواب غالبية الدول العربية والاسلامية في وجه ايران التي ترمي كرة المسؤولية على الولايات المتحدة الاميركية..
صحيح ان هناك «عدواً مشتركاً» لايران والدول العربية والاسلامية وغالبية دول العالم يتمثل في «الارهاب التكفيري» العابر لحدود الطوائف والأديان والدول بل والقارات.. لكن التنسيق بين هذه الدول منعدم تماماً، على رغم اعتراف بروجردي ان ارادة ايران وتصميمها في مجال مكافحة الارهاب، هو جدي وحقيقي.. وهو يعطي للتدخلات الايرانية في العراق وفي سوريا صفة «التعاون الثنائي..» الذي لم يحظ بأي دليل على ان سلوكيات ايران الخارجية هي كذلك؟!
وبالتأكيد فإن لبنان لم يخرج عن هذا السياق، والعديد من الافرقاء اللبنانيين يأخذون على «حزب الله» على أنه «بات دولة ضمن الدولة» او «دولة فوق الدولة»س، وقد أمعن في سياسة تعطيل انجاز استحقاق الانتخابات الرئاسية، على رغم اعلان بروجردي ان لبنان من بين الدول التي لا تتدخل ايران بشؤونها الداخلية.. الأمر الذي فسره البعض على أنه عودة الى سياسة «ترطيب الخواطر» مع «حزب الله» ومن غير ان يقفل الأبواب لفت الى أنه «اذا كان هناك من مساع سياسية من شأنها ان تساعد على حلحلة هذا الفراغ السياسي في لبنان، واذا طلب هذا المسعى منا، فنحن لن نتردد في القيام به..» وان رمى ذلك في «أحضان النخب السياسية اللبنانية الواعية والمقتدرة والاحزاب والتيارات الفاعلة والمؤثرة في الشأن اللبناني» التي بإمكانها في نهاية المطاف ان تتفاعل مع بعضها في الاتجاه الذي يوجد المخرج المناسب والملائم لهذا الفراغ الرئاسي…
جل ما تريده ايران في هذه اللحظة هو عدم عبور الافرقاء كافة من فوق «حزب الله» الذي وضع على لائحة القوى والمنظمات الارهابية.. وطهران معنية في المقام الاول بفك الحجر عن الحزب، الذي يعتبر المعبر الأساس لايران الى لبنان..
الزيارة انتهت اليوم (امس) الثلاثاء مع بدء جلسة الحوار الوطني لثلاثة أيام، والحزب عنصر أساس فيها.. ولم يعرف بعد ما ستؤول اليه زيارة بروجردي وما ستكون نتائجها وقد كانت لقاءاته أمس، غير لقاءاته أول من أمس..