Site icon IMLebanon

تطويق زيارة سلام وإجهاضها

 

ما إن غادر رئيس الحكومة تمام سلام والوفد المرافق الى السعودية لـ»التنسيق» في الملفات الخلافية المطروحة، وتحديداً ملفي عرسال والتعيينات الامنية، حتى توالت الرسائل غير السارّة.

الرسالة الاولى تمثّلت بزيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع المفاجئة لرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون.

صحيح أنّ مبدأ حصول الزيارة كان قد تقرّر منذ بضعة اسابيع، إلّا أنّ لتوقيتها معاني لا بد من التوقف عندها.

فخلال اللقاء الاخير الذي جمع الأمين العام لـ«حزب الله» بعون سأل السيّد حسن نصرالله ضيفه عن صحّة ما يُشاع عن لقاء قريب بينه وبين جعجع، مضيفاً بأنه حريص على سماع ذلك مباشرة منه. وكان جواب الاخير أنّ الاتصالات التمهيدية لإتمام حصول هذه الزيارة قد أنجزت، وأنّ زيارة جعجع ستحصل خلال اليومين المقبلين مبدئياً، وأنّ التوقيت لم يحدد نهائياً بعد كونه يخضع للاعتبارات الأمنية.

لكن الزيارة تأخّرت نحو اربعة اسابيع، ليختار جعجع التوقيت. وبالتأكيد فإنّ «الاعتبارات» الأمنية لا تبرّر كل هذا التأخير. لكنّ جعجع اختارَ بعناية موعداً لزيارة عون ليوجّه من خلالها رسالة صامتة ولكنها مُزعجة إلى الحلفاء المُفترضين.

ففي عزّ النزاع الحاصل بين عون وتيار «المستقبل» على التعيينات الامنية، والذي يخوضه عون تحت عنوان صحة التمثيل وانتزاع الشراكة الفعلية، ولحظة مغادرة سلام الى السعودية حيث سيعود منها متسلّحاً بالقرارات التي ستصدر حول التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي وتأجيل البَتّ بقيادة الجيش، اختار جعجع أن يزور عون الذي أعلن قبل لحظات دخول الحكومة في العطلة الصيفية، والتي ستمتد الى منتصف شهر أيلول.

لا شك في أنّ الزيارة في هذا التوقيت تشكل دفعاً معنوياً لعون وضربة لتيار «المستقبل»، والواضح أنّ جعجع الذي يتمَلمل كثيراً في الكواليس المغلقة من «مردود» تحالفه مع «المستقبل»، وجّه رسالة اعتراض كبيرة.

في المقابل، توسّعت رقعة خصوم جعجع داخل تيار «المستقبل» على أساس أنه ما بَرح يعاجل التيّار بضربة في الظهر عند كل منعطف أساسي، بدءاً من مرحلة طرح مشروع قانون الارثوذكسي، لا بل قيل إنّ مسؤولين كباراً في «المستقبل» ردّدوا أنّ اكثر مرحلة ارتاح فيها «المستقبل» وجَنى خلالها نقاطاً وأرباحاً إنما كانت مع الانفتاح على عون. ففي هذه المرحلة ساهم عون في ولادة الحكومة، وجرى تمرير كثير من التعيينات والقرارات من دون الحاجة الى خوض معارك مرهقة.

لكنّ جعجع الذي «أهدى» توقيت اللقاء إلى عون الغارق في معركته، يدرك جيداً، كما «حزب الله»، أنه ربما يكون صاحب المصلحة الأكيدة في هذا التقارب على المستويين المتوسّط والبعيد.

هذا عدا عن أنّ البعض يعتقد أن تحرّك جعجع جاء بعد اقتناعه بأنّ تيار «المستقبل» سيسير في تعيين العميد شامل روكز في ايلول المقبل، وأنّ أحد المؤشرات الكبرى لذلك موقف النائب وليد جنبلاط الذي يعتبر بمثابة تمهيد له. لذلك اختار، وهو «المتحسّس» من حصول هذا التعيين، أن يسبق «المستقبل» ويقطف نقاطاً طالما أنّ الخاتمة معروفة. أمّا الرسالة الثانية فاختار «حزب الله» توجيهها من جرود عرسال، وذلك من خلال عملية تقدّم أعلن عنها في وسائل الاعلام، والهدف منها إيصال دَويّ هذه المعركة الى قاعة المحادثات في الرياض.

وعلى رغم تداول وسائل الاعلام بأنّ معركة جرود عرسال بدأت، إلّا أنّ المراقبين الغربيّين لا يعتقدون ذلك، مرجّحين أن يأخذ «حزب الله» وَقته قبل الشروع جدياً في هذه المعركة، خصوصاً بعد السيطرة النهائية على تلال القلمون كلها وإقفال المنطقة عسكرياً لضمان معركة جرود عرسال.

لكنّ «حزب الله» أراد توجيه رسالة واضحة وحازمة بأنّه جدّي جداً في إنهاء حضور المجموعات المسلحة في جرود المنطقة، وأنه يرفض أيّ تسوية أو مخرج لا يؤديان الى هذه النتيجة الحاسمة، وذلك بعدما صدر كلام عن وزير الدفاع سمير مقبل حول إمكانية التوصّل الى تسوية تُرضي الجميع.

وحسب مصادر مطلعة فإنّ «حزب الله» يضع خطة من ثلاثة بنود تشكّل وحدها المخرج الممكن لتلافي العملية العسكرية في جرود عرسال:

1 – الفصل بين بلدة عرسال وبين جرودها وأنّ الدولة وحدها مسؤولة أوّلاً وأخيراً عن أمن البلدة.

2 – تفكيك مخيمات النازحين في محيط البلدة وتوزيعها بنحو مدروس على مناطق اخرى، خصوصاً بعدما استعملت التنظيمات الارهابية هذا الواقع للمَزج بين الجرود وداخل البلدة، وهو ما وَرّط المنطقة في أحداث كثيرة وخطيرة أبرزها على الاطلاق الهجوم الذي تعرّض له الجيش اللبناني في آب الماضي، والذي أدّت فيه مخيمات النازحين دوراً أساسياً لجَعل الوضع متداخلاً.

3 – أن يسيطر الجيش وينتشر في جرود عرسال كلها داخل الحدود اللبنانية وتفكيك البنية التحتية لهذه التنظيمات، ولا سيما منها مصانع تفخيخ السيارات وتصنيع المتفجرات وتحضير الانتحاريّين.

ووفق ما تقدّم لم يعد هناك من صعوبة في استنتاج مصير جلسة الحكومة اليوم، وأنّ زيارة سلام والوفد المرافق للسعودية لم تستطع ان تقدّم جديداً. ما يعني أنّ الحماوة السياسية ستتصاعد تدريجاً من دون أن يلاحظ احد استمرار النزاع في اليمن على رغم التحضير لمؤتمر دولي لا تبدو نتائجه ناضجة بعد، وتَصاعُد الحماوة العسكرية في سوريا، في وقت تستميت تركيا لتحقيق سيطرة المعارضة على حلب، ودخول إيران بفاعلية أكبر في النزاع السوري لإعادة ترتيب مناطق النفوذ والسيطرة. وفي العراق، فوضى ومشاريع ما بين الدعوة الى استقلال كردستان وإطلاق الميليشيات والضغط لإفساح المجال أمام قوة عسكرية للقبائل السنيّة.

وسط كل ذلك تتعطّل الحكومة في لبنان، وترتفع الحماوة العسكرية في جرود عرسال، والأهمّ ظهور ميليشيا للعشائر الشيعية في البقاع الشمالي. ألا يستوجب ربط الخيوط بعضها ببعض إجراء إعادة قراءة هادئة لها علاقة بالتطورات المستقبلية أكثر منه لتسجيل نقاط آنيّة لا تقدّم ولا تؤخّر في الصورة الكبرى؟