الزيارة التي قام رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع الى المملكة العربية السعودية الاسبوع المنصرم بعد زيارة مماثلة قبيل موافقة “القوات” على المشاركة في جلسة التمديد لمجلس النواب، استحوذت على اهتمام ديبلوماسي بمقدار ما حظيت باهتمام داخلي. والاهتمام الديبلوماسي انطلق من زاوية التساؤل، في ظل الحفاوة التي احيط بها جعجع، عما اذا كان سيشكل الغطاء من اجل التوافق على رئيس جديد للجمهورية على غرار ما كان عليه بالنسبة الى التمديد الاخير لمجلس النواب، اذ انه في ظل اعلان العماد ميشال عون اصراره على البقاء مرشحاً وعدم استعداده لانتخاب أي شخص سواه، فإن المخاوف بدأت تكبر لدى مسؤولين لبنانيين وخارجيين من أن تؤدي لحظة توافق اقليمية الى حلحلة في الموضوع الرئاسي فيساهم تحالف رباعي داخلي ما في التوافق على رئيس يتم انتخابه. وفي ظل الحاجة الى غطاء مسيحي لا بد منه لئلا يقتصر التوافق على الافرقاء المسلمين في لبنان، فإنه ينبغي الاعتماد على فريق مسيحي يؤمن الغطاء المطلوب لهذا التوافق في حال حصوله، خصوصاً انه يعتقد على نطاق واسع لدى اوساط سياسية عدة ان العماد عون لن يشارك في أي جلسة انتخاب شخص سواه حتى لو اضطر حلفاؤه، لاسيما “حزب الله”، الى تأمين النصاب الضروري لانتخاب الرئيس العتيد، وحتى الذهاب الى التصويت لعون في حال استمر في ترشحه لكن طبعاً بعد موافقتهم على شخص الرئيس المقبل. اذ بعدما اصر رئيس مجلس النواب نبيه بري قبيل انعقاد جلسة التمديد للمجلس على موافقة “القوات اللبنانية” كفريق اساسي يوازي من حيث الغطاء المسيحي الذي يمكنه تأمينه الغطاء الذي يمكن ان يؤمنه تيار العماد عون، فإن اللعبة السياسية باتت مفتوحة أكثر على احتمال مماثل.
من المفارقات الغريبة بالنسبة الى مصادر سياسية أن يستعيد التاريخ نفسه في حال سارت الامور على هذا النحو في احتمال استبعاد العماد عون نفسه عن تسوية الرئاسة وفق ما توحي الأمور حتى الآن، كما استبعد نفسه عن تسوية الطائف، فلا يوافق على أي رئيس سواه في حين يترك المجال أمام جعجع للعب دور اساسي وحاسم في حلحلة العقبات في البلد كما حصل بالنسبة الى اتفاق الطائف. وعلى رغم اصرار “حزب الله” على أحقية دور العماد عون في بت الموضوع الرئاسي في ما يتعلق بترشحه، فإن ما يمكن أن تجريه ايران من مساومات لمصلحتها قد يدفع الحزب الى تأمين النصاب من أجل انتخاب شخص آخر غير العماد عون. وبذلك تستحضر مفارقة غريبة أخرى حول انتظار العماد عون توافق الدول الاقليمية أو الدولية مرة جديدة من أجل تأمين التوافق حوله لانتخابه رئيساً، فتأتي هذه التوافقات على حسابه وفي غير مصلحته كما في عامي 1989 و2008.
تقول هذه المصادر إن جعجع لديه أولوية لمرشحين معينين هم غالباً من لائحة المرشحين التي أعدها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي وحاول ترويجها، لكن لا أحد من حلفاء جعجع، وطبعاً من خصومه، يجاريه في ذلك. وعلى رغم الكلام على انتخابات رئاسية لا يجزم بأي احتمال لموعد حصولها، فإن الجزء الابرز الذي هو الخلاف على اسم الرئيس المقبل يجرى العمل على حلحلته تمهيداً لاجراء الانتخابات، وان هذه الحلحلة أدت الى اطاحة عدد من المرشحين المحتملين من اصحاب الحظوظ التي كانت متقدمة باعتبار ان نادي المرشحين لا يضم أكثر من اسمين.