على رغم ان زيارة رئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو لبيروت لم تسفر عن أي خرق في موضوع الانتخابات الرئاسية، وفقا ما ركزت وسائل الاعلام اللبنانية على نتائج جولته. ومع ان الديبلوماسي الفرنسي لم يقل باحتمال الخرق ولم يرفع الآمال كما لم يظهر ان بلاده لا تدرك حجم التعقيدات التي تحوط بالموضوع، فان الزيارة في التوقيت التي حصلت فيه بعد الهزة السياسية التي اعقبت رد “حزب الله” على العملية الاسرائيلية التي استهدفت عناصره في القنيطرة السورية مع عناصر من الحرس الثوري الايراني صادفت، وان كانت مقررة مسبقا، بما يلائم الايحاء باحداث توازن سياسي في لبنان وعدم السماح برجحان كفة او اتجاه او محور ما على اتجاه او محور آخر. الزيارة ووقعها وتوقيتها تركت بكليتها اصداء ايجابية في اوساط سياسية عديدة. وهذا حصل من خلال تفسيرات البعض التي افادت او تريد ان تدفع في اتجاه توظيف الزيارة في خانة ان لبنان ليس متروكا ” لاجتياح” أمني وسياسي ايراني فقط، وفقا لما اظهرته زيارات متعاقبة لمسؤولين ايرانيين الى لبنان اخيرا وكان آخرها في مناسبة تكريم شهداء القنيطرة . وكان لبنان شهد خلال الاعوام القليلة الماضية زيارات لمسؤولين ايرانيين على مختلف المستويات بعد زيارات لمسؤولين غربيين او اميركيين تحديدا من اجل التأكيد في معرض الرد على الاميركيين ان لبنان ليس ساحة متروكة لهم وحدهم وان لايران حضورا ونفوذا. فمع ان الجهد الديبلوماسي الفرنسي لا يكتسب طابع الصراع مع ايران على لبنان فيما باريس تسعى مع طهران لحل عقدة الرئاسة اللبنانية، لكن لا خسارة لفرنسا، وفقا لهذه الاوساط في ان تكون هي من يحدث هذا التوازن ولا تسمح باي خلل سياسي في لبنان وهي التي لها واجب تاريخي تجاهه بحيث لا تستطيع ان تقف ساكنة لا تقدم على اي شيء وتتعرض لانتقادات تبعا لذلك، كما لا تستطيع ان تنتظر الولايات المتحدة للتحرك في لبنان في الوقت التي لها علاقتها الخاصة مع لبنان وديناميتها السياسية الخاصة ايضا . كما لا خسارة لها في ان تحجز مقعدا لها لاي حل مستقبلي في ما خص الوضع اللبناني في التفاهم مع ايران متى انفكت العقد بين ايران والدول الخمس الكبرى زائد المانيا حول ملف ايران النووي، وفق ما يعتبر كثر ان الملف الرئاسي غدا مرتبطا به. ومن هذه الزاوية فان زيارة جيرو ومساعيه أخذت بالنسبة الى هؤلاء الضوء من امام مفاعيل حج المسؤولين الايرانيين الى لبنان لمساندة الحزب ووازنت المساعي او المواقف لدفع لبنان الى “ان يكون ساحة واحدة وموحدة مع الساحات الاخرى” بمساعٍ سياسية وديبلوماسية لمحاولة اخراجه من الزخم الآخر بمحاولة الدفع نحو اجراء الانتخابات الرئاسية جنبا الى جنب مع التشديد على التزام القرار 1701. اذ ان هناك من رأى في التوقيت مناسبة للتذكير بان ثمة مصالح للدول الصديقة للبنان وفي مقدمها فرنسا من خلال مشاركتها في القوة الدولية العاملة في الجنوب في حماية لبنان والتشديد على ضرورة التزامه القرار 1701 تحت طائل فقدان دعم بعض هذه الدول التي وقفت مرارا على الشوار كما يقال، وقلصت مشاركتها مرة بعد مرة لتغدو رمزية في نهاية الامر في الجنوب نتيجة ضغوط ميدانية واخرى داخلية متعلقة بسياسة الدول المشاركة وذلك في حال وجود قرار رسمي او سياسي بحماية قرار يخرق قواعد الاشتباك او ينسفها. ويذكر ان فرنسا هي التي بادرت الى دعوة مجلس الامن بسرعة من اجل مناقشة ما حصل في مزارع شبعا والرد الذي ادى الى استشهاد جندي اسباني من القوة الدولية. كما كانت مناسبة للتذكير بمصلحة لبنان في التزامه القرارات الدولية وفي مقدمها القرار 1701. وادرج هؤلاء مساهمة الرئيس نبيه بري في هذا الاطار باعتبارها مهمة على هذا الصعيد في محاولة تقديم الضمانات في ظل غياب فاعل للديبلوماسية اللبنانية في التعبير عن موقف صريح في مصلحة لبنان على هذا الصعيد وعدم قدرتها على مواكبة هذه المصلحة مع الدول المؤثرة في الخارج لاعتبارات مختلفة من بينها الحاجة الى الضمانات على التزام هذا القرار، وهذا يمكن تأمينه من ركن من الاركان الاساسيين لدى الطائفة الشيعية وليس من الديبلوماسية اللبنانية.
هذا ما رآه البعض في هذا البعد الرمزي والضمني من الزيارة الديبلوماسية على رغم ان هذا الجانب لم يحتل اي حيز يذكر في ظل التشديد على جهود جيرو في ملف الانتخابات الرئاسية، كما رغبوا في ان تكون الرسالة واضحة في هذا الاطار من باب التأكيد ان لبنان لا يمكن اختصاره في محور اقليمي، كما لا يمكن ولا يجوز التضحية باستقراره ومصالحه لاهداف هذا المحور. ولذلك اكتسبت الزيارة اهمية مضاعفة، في رأي هؤلاء، الى جانب كونها تستمر في تسليط الضوء على الاقل على ملف دخل في خانة الاهمال والعجز لدى اللبنانيين فيما يقر هؤلاء بان اللبنانيين باتوا لا يستطيعون ان يقدموا على اي حل من دون تدخل خارجي وهو موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ثم انها تفيد بان لبنان ليس متروكا كليا لكي يتخبط وحده من دون السعي الى مساعدته خصوصا من فرنسا الصديقة للبنان تاريخيا وللمسيحيين في شكل خاص من حيث المبدأ بحيث تهب للمساعدة لهذا الغرض.