Site icon IMLebanon

هل تكون زيارة هوكشتاين المثقب الذي يُحدث ثغرة؟

 

نقيب محرري الصحافة

بات واضحاً أنّ الكلام على وقف إطلاق النار في لبنان يتزامن مع الكلام عن سلّة من الترتيبات العسكرية والأمنية التي تريد إسرائيل فرضها، مستفيدة من حجم التأييد الأميركي لها الذي أعطاها الضوء الأخضر، لكي توقع بلبنان ما أوقعت من مجازر ودمار تحت ذريعة استئصال «حزب الله» ودفع خطره عن حدودها الشمالية، وعزله عن بيئته، والإمعان في ضرب هذه البيئة حتى تفكّ ارتباطها به نهائياً.

وفي تقدير خبراء غربيين وإسرائيليين، أنّ الضربات التي يوقعها نتنياهو بلبنان ستدفع المسؤولين فيه إلى رفع «العشرة» والاستسلام لإملاءاته، وهو تقدير ينطوي على كثير من المبالغة إن لم يكن مستحيلاً. وفي هذا السياق، تندرج زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي يتردّد انّه أُبلغ بلائحة الشروط إلأسرائيلية من دون أن يعني ذلك انّه يتبنّاها، والتي يصفها البعض بـ»صك استسلام»، فيما يرى آخرون أنّ «الزائر الاميركي» يحمل افكاراً تتضمن تعديلات على قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، تنسجم على ما يعتقد متابعون «مع المتغيّرات على الأرض». لا أحد يعرف بالتحديد ماذا حمل هوكشتاين لرئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، لكن متابعي الموقف الإسرائيلي، وما تنشره الوسائل الإعلامية في الدولة العبرية، يُجمعون على أنّ شروط نتنياهو وحكومته لوقف إطلاق النار والأعمال الحربية في لبنان هي آلاتية:

1- لا عودة إلى اتفاق الهدنة إطلاقاً وتحت اي ظرف او عنوان.
2- رفض الصيغة الحالية للقرار 1701 وتطبيقاتها التي كانت معتمدة، والضغط لإدخال تعديلات واضحة عليها تلحظ آلاتي:
أ- إبدال قوات «اليونيفيل» بقوات متعددة الجنسيات من دول صديقة لإسرائيل، او الإبقاء عليها وتعزيزها، على أن تعمل وتتحرك تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة من خلال «تعديل مهمّاتها ورفع مستوى تسليحها وإعطائها الحق في المبادرة إلى تفتيش المنازل والمنشآت ودهمها، وتقييد حرّية التنقل للأشخاص وفق ضوابط معينة.
ب- الإصرار على أن يكون القرار الأممي الرقم 1559 جزءاً لا يتجزأ من القرار 1701.
ج-أن تكون هناك منطقة عازلة بعمق 5 كيلومترات، وإمكان أن تكون خالية من السكان اي «NO MAN›S LAND».
د- الحق لإسرائيل في اختراق الأجواء اللبنانية والمياه الاقليمية في عمليات رصد ومتابعة وتجسس، من دون أن يُعتبر ذلك انتهاكاً للسيادة اللبنانية. وبحث في إمكان الوصول إلى صيغة تتيح للجيش الاسرائيلي تجاوز الحدود الدولية للبنان للقيام بعمليات دهم او تفتيش او تعقب.
بالطبع يعرف الجانب الأميركي انّ لائحة المطالب الإسرائيلية لن تلاقي قبولاً لدى رئيسي مجلسي النواب والوزراء لأسباب عدة ومنها:

– لا قبول بأي طرح يتنافى مع سيادة لبنان.
– إنّ إسرائيل لم تربح الحرب ولم تحقق خرقاً برياً واسعاً وعميقاً يؤسس لتمركز دائم لوحداتها بنحو يسمح بالقول انّها كسبت الجولة، وإن في إمكانها فرض شروطها في الشكل الذي يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية. وإنّ ما حققته إسرائيل حتى اليوم هو نجاح في تعميم الدمار والقتل في كل المناطق اللبنانية من خلال الغارات الجوية العنيفة ومسيّراتها القاتلة، وهذا الأمر لا يُعتبر انتصاراً إذا لم يواكب بانتصار على الارض، مع الإشارة إلى أنّ القوات الإسرائيلية تواجه مقاومة ضارية من مقاتلي «حزب الله» تعوق تقدّمها.
– إستحالة القبول بمنطقة خالية من السكان لضمان أمن اسرائيل، لأنّ ذلك يتنافى مع أبسط المبادئ الدستورية والإنسانية، ولا يمكن منع أي مواطن من العودة إلى بيته ورزقه، وما من سلطة تقبل بمثل هذا الإجراء.
– إنّ الظروف التي أدّت الى إصدار القرار الدولي الرقم 1559 مختلفة تماماً عن الظروف التي أدّت الى إصدار القرار الرقم 1701، وأنّ ورود القرار السابق في صلب القرار الأخير كان عابراً ولم يكن منفصلاً عن مجمل السياق الذي ورد فيه، ولا هو القرار المعول عليه، وأنّ إعادة التذكير به وربطه بالقرار الرقم 1701 يزيد الوضع تعقيداً. وكان رئيس المجلس النيابي نبيه بري واضحاً في رفضه له ،عندما أكّد «أنّ القرار الرقم 1559 أصبح من الماضي».
– إنّ اي قرار بتغيير طبيعة مهمّة قوات «اليونيفيل» او إبدالها بقوات متعددة الجنسية على أن تعمل تحت بند «الفصل السابع»، يحتاج إلى قرار من الأمم المتحدة، ولا يبدو انّ هذا الأمر متيسراً، أقلّه في المرحلة الراهنة.

– كيف يمكن للجيش اللبناني أن ينتشر في منطقة عمليات «اليونيفيل» وسائر المناطق الجنوبية المتاخمة للمنطقة الحدودية، وهل إنّ إعداد قوة من 10 آلاف جندي ممكن، وإذا اجتاز الجيش عقبة التطويع، فكيف يحلّ عقبة تجهيزه بالعتاد؟ والمعروف أنّ الولايات المتحدة الاميركية التي تحتكر تسليحه، ترفض تزويده الاسلحة الهجومية، وتمنع عنه الأسلحة الدفاعية النوعية.
إنطلاقاً من هذه المعطيات، يبدو من الصعب بمكان أن يقبل لبنان بتعديلات جوهرية على متن القرار الرقم 1701 تتضمن انتهاكاً لسيادته الوطنية، وتؤدي إلى تفاقم المشكلات في الداخل، لأنّ مثل هذه التعديلات ستكون مرفوضة في الشكل والمضمون من فئة لبنانية ستعطي لنفسها الحق في مقاومة أي أمر واقع يُفرض عليها، خصوصاً انّ إطلاق النار المنشود الذي يسعى إليه هوكشتاين، تريد إسرائيل إدراجه في سياق خطة لمحاصرة «حزب الله» ودفعه إلى الاستسلام وإنهاء دوره العسكري والسياسي وتجريده من أي إمكان لهيكلة لتعويض الخسائر التي مُني بها. ليس الرئيس نبيه بري هو من يوافق على إطلاق نار مشروط يكون أقرب إلى «صك الاستسلام»، وليس الرئيس نجيب ميقاتي في وارد أن يركب هذا المركب الخشن. وبالفعل، فإنّ المحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي إلى لبنان أمس، تركّزت حول وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، والأهم هو التفاهم حاول آليات التطبيق على الارض. مع الإشارة إلى احتدام المعارك برياً من دون أي تقدّم يُذكر للجيش الاسرائيلي. وإذا كانت التفاهمات التي أشار إليها الرئيس بري هي البديل عن التعديلات المقترحة على متن القرار الأممي الصادر في العام 2006، لأنّها لا تحتاج إلى قرار من مجلس الامن، فهذا يعني أنّ اعتمادها سيكون رهناً بإرادة الطرفين المعنيين: إسرائيل و»حزب الله». ويبدو حتى الساعة أن ليس في وارد تل أبيب وداعميها بعد كل الذي حصل القبول بمجرد وقف عادي لإطلاق النار من دون شروط مكبّلة للبنان والحزب. من هنا، فإنّ هوكشتاين كان حذراً في تصريحاته لأنّ المشكلة اكثر تعقيداً، وأوسع مدى مما يعتقد البعض. فما يحصل هو نزاع بين مشروعين: الأول تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل، والثاني محور «الممانعة» بقيادة ايران، تُستخدم فيه جميع الأسلحة المحظّرة وغير المحظّرة، وإذا كان ثمة مجال للهدنات، فإنّ الحرب مفتوحة بأشكال شتى تلد كل عجيب من مفاجآت محتسبة وغير محتسبة.

 

ويبقى السؤال: هل تكون زيارة هوكشتاين المثقب الذي يُحدث ثغرة في الجدار المسدود؟.