IMLebanon

زيارة هوكشتين: توقيتٌ غير مفهوم وعروضٌ نصف مقبولة

 

 

ليست زيارة الموفد الاميركي الخاص عاموس هوكشتين لبيروت في توقيت غير مفهوم سوى ترجمة سياسية غير ديبلوماسية حتماً للوقائع العسكرية المستجدّة من الجنوب الى الضاحية الجنوبية مروراً بالبقاع. وتأتي قبل اسبوعين فقط من فتح صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الاميركية، دونما التأكد من اي من الحزبين الديموقراطي والجمهوري سيفوز، ودونما تيقنه من استمراره هو في منصبه، ودونما توقّع الوصول بمثل هذه السرعة الى الفصول الاخيرة في الحرب الحالية. اختبر المسؤولون اللبنانيون اكثر من مرة الاستعجال الذي اعتاد عليه هوكشتين في اكثر من ملف: بدأ بالترسيم البحري، ثم قفز الى الحدود البرية، فإلى فك جبهة الجنوب عن جبهة غزة قبل ان يخوض في الاشهر الاخيرة في الشغور الرئاسي اللبناني.

في زياراته السابقة راح يصرّ على التوصل الى تصوّر مؤجل التنفيذ الى ما بعد وقف النار، ينتزع فيه موافقة حزب الله على تنفيذ القرار 1701، وكان يسمع من محاوريْه المسؤولين اللبنانيين – كما بالواسطة من حزب الله – ان وقف النار في غزة وحده كفيل بفكّ ارتباط جبهة الجنوب بجبهة غزة. مع ذلك طلب تصوّراً على الورق تمهيداً للحظة وقف النار، أقرنه آنذاك باستعداده لمناقشة تثبيت الحدود البرية ومعالجة النقاط الخلافية عليها مع اسرائيل، على انه أوصد الأبواب نهائياً حيال ما يتصل بمصير مزارع شبعا. وقتذاك امتنع حزب الله، في ذروة تصعيده جبهة الإشغال، عن اعطاء اي تعهدات مسبقة قبل وقف النار، محدّداً موقفه تبعاً لما ستؤول اليه الوقائع العسكرية على الارض، فيُبنى بموجبها مسار التفاهمات مع التأكيد على العودة الحتمية الى القرار 1701 في الجنوب. ما رفضه الحزب في ذلك الحين عاد به الموفد الاميركي الى بيروت.

في زيارة امس، الاولى منذ انفجار حرب اسرائيل وحزب الله في 23 أيلول المنصرم، تحدّث عن عروض معاكسة لزياراته السابقة على وقْع التطورات العسكرية منذ 23 ايلول باغتيال قادة الحزب ثم أمينه العام مروراً بتدمير الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية بالتزامن مع بداية هجوم برّي. بات أكثر استعجالاً خيارات جديدة فرضتها اسرائيل على انها وقائع مستجدة: لا وقف وشيكاً للنار في مدى قريب، ولا القرار 1701 صالحاً لمواكبة مرحلة ما تعدّ له وهو تحقيق أهدافها في لبنان بعد ان جهرت بتجاوزها فرض اعادة المستوطنين الى الشمال الى تدمير حزب الله. بالتأكيد لم يحمل هوكشتين اياً من التهديدات هذه. الا انه تحدّث عما يمكن ان يؤول الى نتائجها نفسها.

سمع المسؤولون اللبنانيون منه تشكيكه في جدوى القرار 1701 واخفاق تجربته المطبّقة بين عاميْ 2006 و2023 قبل ان تسقطه تداعيات «طوفان الاقصى». ذلك ما افصح عنه بعد مقابلته رئيس مجلس النواب نبيه برّي بمطالبته بـ«بآليات تسمح باعادة الثقة بالقرار 1701 وتطبيقه». فُهِمَ من كلامه امران اثنان على الاقل: اولهما ان قرار مجلس الامن النافذ لم يعد يصلح لاستقرار الحدود الاسرائيلية – اللبنانية وأمنها كما لسلامة المقيمين وراء جانبيْ الخط الازرق في اسرائيل ولبنان، وثانيهما ان تفاهمات مسبقة على آليات جديدة لتطبيق القرار من شأنها ان تكون عاملاً مساعداً في ما بعد لوقف شامل للنار.

 

باتت اسرائيل تنظر الى القرار 1559 على انه الاصل والقرار 1701 الفرع

 

كلا الشرطيْن الضمنيين اللذين تناولهما الموفد الاميركي أفضيا الى استنتاج ملاحظتين اثنتين في صلب مهمته:

1 ـ الخروج من وهْم مفاده ان تنفيذ قرار مجلس الامن، على نحو اصداره عام 2006، سيُعيد تثبيت توازن القوى بين اسرائيل وحزب الله على نحو ما انتهت اليه حرب 33 يوماً حينذاك ودوّنه القرار في بنوده: تنسحب اسرائيل الى وراء حدودها ويخلي حزب الله جنوب نهر الليطاني من أي وجود مسلح له. كلاهما تصرّف على انه رابح: اسرائيل بإبعادها حزب الله عن حدودها، والحزب بإخراج القوات الاسرائيلية من الاراضي اللبنانية وايجاد منطقة عازلة بينهما. لم يُشعِر التراجع حزب الله عامذاك بالخذلان سوى انه انكفاء تكتيكي مستفيداً من استمرار العمق الاستراتيجي المفتوح والممتد الى ايران، ما اتاح له اعادة بناء ترسانته وبناه العسكرية. عندما تحدثت اسرائيل أخيراً عن انها في صدد تدمير حزب الله نهائياً، راحت تجزم باسقاط ذلك الوهْم بأن اقدمت ولا تزال على تدمير كل ما يمت بصلة اليه من قريب او بعيد، افراداً ومؤسسات اياً تكن صفتها. ليس التنظيم العسكري للحزب المستهدف وحده، بل الكيان العقائدي.

2 ـ عند وضع القرار 1701 وادماج مرجعية القرار 1559 في بنده الثالث، لم يُثر اي سجال من حول تداخلهما في متن واحد، اضافة الى اتفاق الطائف. وقتذاك، وإن تضمن إحالات على قرارات سابقة على غرار مئات قرارات مجلس الامن للتذكير بتعاقبها ونفاذها، عُدّ القرار الجديد على انه هو الذي يمثّل مرجعية استقرار الخط الازرق بين البلدين. وهو المعوّل عليه بداية لوقف الاعمال العدائية على ان يصير من ثم الى ترسيخ وقف دائم للنار. لم يتعدَّ ذكر القرار 1559 الصادر لسنتين خلتا والمعلق التطبيق، سوى توخي موقف سياسي عام غير ذي صلة مباشرة بتطبيق الاجراءات التمهيدية الاولى لوقف حرب تموز 2006، ومحاولة تذكير به ليس الا. بدوره الداخل اللبناني لم يوليه حينذاك اهتماماً جدياً في مرحلة مساكنة بين قوى 8 و14 آذار منذ انتخابات 2005.

أخيراً أعيد الاعتبار الى القرار 1559 كما لو انه أضحى الاصل في القرار 1701 وبات يتقدّم عليه: اسرائيل تريده هو وتشيح بنظرها عن القرار 1701، وأفرقاء في الداخل اللبناني خصوم حزب الله بعثوا الروح فيه باعادة تداول السجال نفسه. فيما القرار 1701 ينيط بلبنان واسرائيل ومعهما الامم المتحدة مهمة تطبيقه عند الخط الازرق، يعني القرار 1559 لبنان وحده وسلطاته المركزية لتطبيق أحكامه دونما ان يكون لاسرائيل او سواها اي دور فيه. يوم اقراره كانت سوريا طرفاً شريكاً في تنفيذ احد بنوده، وهو ما ارغمت عليه بعد خمسة اشهر باجلاء قواتها نهائياً من لبنان.

لن يُفسَّر الكلام المستجد عن القرار 1559 سوى انه يعطي اسرائيل ما لم يعد يسع القرار 1701 ان يقدمه لها، وهو التخلص نهائياً من حزب الله.