IMLebanon

من أين جيء بالحصيلة “الإيجابية” لزيارة هوكشتاين؟

 

 

عبّرت مراجع سياسية وديبلوماسية عن استغرابها للأجواء المتناقضة التي بثتها الأوساط المحيطة بالجانب اللبناني المفاوض حول حصيلة زيارة الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين لبيروت. وعلى رغم من انطلاق معظمها من العبارات القليلة التي نُقلت عن الرئيس نبيه بري بعد لقائه الطويل معه بقوله إنّ «اللقاء كان جيداً والعبرة في النتائج»، تناقضت التسريبات إلى درجة تراوحت بين الدعوة الى الاستسلام ورفض لبنان لها وقدرته على المواجهة. في ظل فقدان القوة الرادعة للجموح الإسرائيلي. وعليه كيف يمكن مقاربة هذه المعادلات؟

في ظلّ التعتيم الإعلامي على جوانب كثيرة من مشاريع الاقتراحات المطروحة لخفض التوتر والتوصل إلى وقف لإطلاق النار التي حملها عدد من الموفدين، سواء تلك التي تعني الوصول إلى «اليوم التالي» في غزة لوحدها، او وقف العدوان على لبنان او فيهما معاً، تتسع المخيلات في بناء السيناريوهات التي اقترب بعضها من أن يكون محضراً لجلسات التفاوض، وهو ما يقود تلقائياً إلى ما تحمله من سرديات ومعلومات متناقضة، خصوصاً عند الخلط الجاري بين ما هو ثابت وزائف من معلومات، أو لكونها مجرد رغبات وأمنيات، بعيداً مما فيها من حقائق موجعة لا تتناسب وما هو مطروح. وكل ذلك يجري بسبب فقدان من يصارح اللبنانيين بكثير مما يحتاجونه من اطمئنان.

 

عند هذه الصورة المشوشة وما تسببت به من تعقيدات نجمت عن التداخل العميق بين ما هو إقليمي ودولي، بالإضافة الى العناصر الداخلية المتفجّرة في الداخل اللبناني كما الفلسطيني، وامتداداتها على مستوى المحاور التي ترعى او تخوض الحرب مباشرة او بصورة غير مباشرة على هاتين الساحتين، توقفت المراجع الديبلوماسية المعنية في قراءتها لنتائج المهمّات التي يقوم بها الموفدون، وآخرهم الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين العائد إلى بيروت في مهمّة وصفت بأنّها الاخيرة قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية المقرّرة مع فتح صناديق الاقتراع في الخامس من الشهر المقبل، وهو ما ادّى الى تعدّد الروايات في شأنها، الى درجة ضاعت معها البوصلة المؤدية إلى أي خريطة طريق واضحة لإنهاء العدوان وتطويق نتائجه.

 

وقبل الدخول في ما رافق هذه الزيارة والسعي إلى استكشاف ما انتهت اليه، لا يمكن تجاهل أنّها لم تكن متوقعة قبل التطورات الدرامية الاخيرة للعدوان الاسرائيلي على لبنان، الذي ينبئ بتكرار التجارب «الغزاوية»، عدا عن المخاطر باحتمال توسّع الحرب بين تل أبيب وطهران. ولذلك فقد حملت في توقيتها الدقيق أكثر من مؤشر بوجود محاولة اميركية أخيرة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. فلا ينسى انّها جاءت أيضاً من خارج سياق قرب نهاية مهمّته الاخيرة كموفد رئاسي شخصي بعد تفكيك فريق عمله في ما كان يجمعه من خبراء في الشؤون القانونية الخاصة بالعلاقات الدولية وإدارة الحدود والمناطق الاقتصادية الخالصة وصولاً إلى الشؤون الدستورية. وهو ما جعل البحث مجدداً عمّا يمكن أن يحمله من «أفكار فذّة» لإنهاء النزاع مجرد وهم لقرب نتائجها من المحاولات الفاشلة التي قام بها منذ ان سُمّي موفداً شخصياً لبايدن بعد فترة من دخول المنطقة في مدار عملية «طوفان الأقصى» وحرب «الإلهاء والإسناد» في 7 و8 تشرين الأول الماضي.

 

 

وعند الدخول في التفاصيل التي يمكن مقاربتها بما يعني مهمّة هوكشتاين ـ تعترف المراجع الديبلوماسية العليمة ـ بفقدان المؤشرات التي توحي بالنجاح المطلق وحتى بإمكان تقليص موجات العنف. ذلك أنّ الضغوط الاميركية التي مورست على إسرائيل لتجنيب بيروت ومطارها إلى جانب البنى التحتية والجيش اللبناني ومعه القوى الأمنية الاخرى ومناطق سكنية من لبنان، لم تأت بما اريد لها من ضمانات. وجاءت العملية التي استهدفت منزل رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو وأحياء تل ابيب والمنشآت الحيوية في حيفا والصناعات العسكرية المحيطة بها، لتعيد الغارات على بيروت والضاحية الجنوبية تحت عناوين شتى.

 

وأضافت هذه المراجع عينها، انّه وبعد أن تقلّصت الأهداف العسكرية والحزبية بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وخليفته المحتمل السيد هاشم صفي الدين والقادة الكبار من اعضاء المجلس الجهادي ورؤساء الأجهزة والمحاور والوحدات، وضعت اسرائيل مجموعة اخرى من الاهداف، إلى أن بلغت بالإضافة إلى ما سمّته مقرات اجهزة مخابرات الحزب ومراكز تابعة لمؤسسة «القرض الحسن»، بعدما «نسبت» إليها ادواراً في «تمويل الاعمال الارهابية» من اجل تمديد العدوان على لبنان وعلى البيئة الحاضنة للحزب، وكل ما فيها من أحياء سكنية ومستشفيات ومراكز انسانية وطبية واخرى مخصصة لإيواء النازحين على غرار تلك التي تمّ تدميرها في غزة بحجج واهية لم يتفهمها سوى حلفائها من المجتمع الدولي. ذلك أنّ هذا المجتمع يئس من الوعود اللبنانية بالإصلاحات والترتيبات الخاصة بتطبيق القرارات الدولية، ولا سيما منها القرار 1701 بلا جدوى. ذلك انّ إبقاء السلاح ونقل مزيد منه الى جنوب الليطاني عبر الحدود اللبنانية – السورية امتداداً الى العراقية والايرانية وعبر المرافق العامة خلال السنوات الماضية، لا يبرره أنّ إسرائيل ماضية في خرقه إلى ان تبين انّ الطرفين يستعدان لخرقه وتجاوز دور قوات «اليونيفيل» والجيش اللبناني الى حدود تسخيفه.

 

 

على هذه الخلفيات، ومهما قيل إنّ مهمّة هوكشتاين ايجابية وانّ الأهم مرتبط بنتائجها، يبدو للقاصي والداني أنّ واشنطن واسرائيل تجاوزتا في طروحاتها الجديدة ما كان مطروحاً على لبنان قبل أشهر عدة. وقد حال دون ذلك استمرار الادعاء بالقدرة على خوض الحرب والتحكّم بها، وربط اي قرار لوقف النار بما يجري في غزة، علماً انّ ذلك لم ينطل على المجتمع الدولي. وهو ما لفت إليه هوكشتاين عندما قال انّه نبّه منذ اشهر ولفت نظر اللبنانيين الى ما هو آتٍ وخصوصاً إن أفلتت الامور، وعدم وجود القادر على ضبط نتنياهو وجيشه الذي مضى في غطرسته مستدرجاً إياهم ومعهم دول عدة تدّعي الصداقة للبنان لتسليحه بكل ما هو متطور بكميات تكفي لتدمير لبنان وغزة والضفة الغربية والمنطقة كاملة.

 

والأخطر قالت المراجع: «انّهم كانوا يدّعون القدرة على «الردع» و» الإلهاء» و»حماية لبنان» ولم يتمكنوا من حماية قادتهم ومواقعهم، ولم يتحمّلوا المفاجآت الصادمة التي دفعت الى انهيار منظومة القيادة كاملة في أيام قليلة، لتنتقل السيطرة الفعلية على السلاح إلى قادة غير لبنانيين يتحكّمون بحركته بطريقة يفتقد فاعليته إن بدأ التوغل البري. وفيما انغمس القادة اللبنانيون في جدل عقيم لتفسير القرارات الاممية التي لم تنفّذ، انصرف المسؤولون الى ادارة ملف النزوح، عاجزين امام حجمه وما فرضه من استحقاقات تهدّد التركيبة اللبنانية وأمن بعض المناطق إن طال الأمر على ما هو عليه».