بقدر ما حاولت زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن توازن من ناحية من عقدت اللقاءات معهم عشية دخول الشغور الرئاسي عامه الثالث، بقدر ما حاولت جهدها أن توازن بين الأبعاد الثلاثة:
– البعد الدستوري، المتصل بالشغور، وكيفية الإفلات منه، ومغبة التمادي قدماً في فراغ رأس السدّة لأجل تعميم حال الفراغ أكثر فأكثر في كل المؤسسات والمرافق.
– البعد الأمني، ليس فقط المتصل بمخاطر الهجمات الارهابية، وكيفية التعاون بوجهها، بل أيضاً، وأساساً كيفية التنبيه الى أن احتمال التقهقر الدراماتيكي للوضع الأمني اللبناني العام ليس بالمسار الذي يمكن الاطمئنان سلفاً الى أنه سيظل مستبعدا.
– المشكل الديموغرافي الاستيعابي المتصل بموضوع اللاجئين السوريين. وهو علاوة على انه ان يُراكم في ظل تمادي الشغور الرئاسي، ويقل بحثه من زاوية الأمن القومي والأمن الاجتماعي للبنان، لصالح النتعات الانفعالية والمزايدات الجوفاء، فانّ اكتفاء المقاربات الأمم – متحدية والغربية بهاجس الحؤول دون تدفق اللاجئين على القارة الأوروبية ليس الا، هو اختلال في النظر وفي العمل.
لا يعني هذا ان لهولاند او لأي أحد في عالم اليوم خارطة طريق سالكة على أي من هذه الدروب الثلاث. يبقى أن زيارته لحظة مهمة على صعيد الربط بين الشغور الرئاسي، والمسألة الديموغرافية السورية، وهاجس الوضع الأمني.
المصيبة في المقابل أنه ليس هناك أي تقاطع داخلي، ولو بالحد الأدنى، على الربط بين هذه الأبعاد الثلاثة، في مقابل طغيان محاولات معالجتها مفصولة عن بعضها البعض. أي كما لو كانت مهمة وضع حد للشغور وانتخاب رئيس مطروحة بشكل لا علاقة لها فيه مع المسألتين الأمنية العامة، والديموغرافية السورية.
هذا، في وقت يتم ربط الملف الرئاسي من قبل العديد من القوى بمسائل تظلّ ثانوية، على أهميتها، قياساً على موضوعي اللجوء، والوضع الأمني.
كذلك فالمزايدة والانفعالية والانحدار الى الخطاب العنصري النافر، كل هذا يعبّر عن وعي مشوه عن فكرة حقيقية، وهي أن الديموغرافيا السورية في لبنان باتت تفوق قدرة البلد الاستيعابية في ظل وضعه الاقتصادي الذي ازداد تفاقماً بسبب تعطل المؤسسات وتفريغها من بين جملة عوامل. لكن هذه الانفعالية لا تنفع في معالجة الملف، بل تجعله مستعصياً أكثر، مهما أرغت وأزبدت وتنكرت بلباس «محاربة التوطين» ضد اللاجئين السوريين هذه المرة. بما انها قضية أمن قومي وأمن مجتمعي، فإنّ التأخر عن انتخاب رئيس جمهورية بأي حجة لادستوري كانت، يصب في خانة تفاقم المشكلة. لا يعني هذا ان انتخاب الرئيس هو انتخاب المركز، لكن مؤسسة رئاسة الجمهورية هي المفتاح لكل المؤسسات الأخرى، وتعطيلها تعطيل لجسم الدولة ككل، في وقت يشكل فيه جسم الدولة، ضرورة حيوية لمعالجة الملف الديموغرافي الحساس، والذي هو جزء من مسألة اتخذت اليوم بعداً دولياً بامتياز.
الزيارتان الدوليتان الأخيرتان، زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تختلفان من ناحية الاحاطة بالموضوعات، بحيث تركزت زيارة الأول على موضوع اللاجئين، وشملت زيارة الثاني الأبعاد الثلاثة. ما يجمع بين الزيارتين هو التيقن، سواء عند معالجة مسألة اللاجئين، أو عند التطرق للأوضاع الداخلية اللبنانية، أن هذا البلد لا يمكن أن يظل «منسياً» وموضوعاً في ثلاجة من دون ان يتراجع استقراره الهش. لتحاشي اي انهيار، ثمة أبعاد ثلاثة، لم يعد ممكنا فصلها عن بعضها البعض، لأن لا معالجة لها الا بالتشديد على الترابط فيما بينها: وضع حد للشغور الرئاسي، مواجهة الأخطار الأمنية وتبديد الهواجس، تمكين الدولة على جناح السرعة لتكون قادرة على التفاعل مع مسار الأوضاع التي تعني اللاجئين، وتعني لبنان من حيث هو البلد الذي يستقبل أكبر عدد من اللاجئين نسبة لعدد سكانه.