حين كشف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انه سيزور لبنان ومخيم للاجئين سوريين فيه وانه سيجري محادثات مع المسؤولين اللبنانيين أرفق ذلك في الوقت نفسه بأن اجتماعا لدعم لبنان سيعقد على هامش الجمعية العمومية في نيويورك. الاعلان عن الزيارة كان مفاجئا لأوساط سياسية عدة لا تتوقع على ما يبدو ان يزور الرئيس الفرنسي لبنان في ظل استمرار الشغور في سدة الرئاسة الاولى. فمن الناحية البروتوكولية ليس غريبا ان تحصل الزيارة في غياب رئيس الجمهورية انطلاقا من انها تتم من ضمن الاصول الدستورية، وفرنسا من ابرز الدول وأعرقها في احترام هذه الاصول فضلا عن انها من اهم الدول التي يمكن ان تساعد لبنان، خصوصا ان الحكم هو استمرار ومجلس الوزراء برئاسة الرئيس تمام سلام يقوم مجتمعا مقام رئيس الجمهورية. والاهمية التي تكتسبها الزيارة بالنسبة الى لبنان الغارق في خلافاته العميقة لجهة ان يكون موضوع اللاجئين احد ابرز عناوينها يعد امرا جيدا ما دامت تأتي من اجل التركيز على موضوع المساعدات في هذا الموضوع الذي يشكل ثقلا هائلا على لبنان. انما الواقع ان لبنان يحتاج على نحو اكثر إلحاحا الى دعم في السياسة. وبحسب اوساط ديبلوماسية عليمة فان هذا الدعم لا يمكن اعتباره في اي حال تدخلا في الشؤون الداخلية استنادا الى جملة اعتبارات قد يكون ابرزها ان المجتمع الدولي ودوله المؤثرة معنيان بالوضع اللبناني من باب الاستقرار الداخلي. فالقرار 1701 يركز في مضمونه على الاستقرار في لبنان ويطلب من الامين العام للامم المتحدة ان يقدم تقريرا الى مجلس الامن كل ستة اشهر في اطار متابعة الوضع اللبناني ودعم استقراره. ولذا فان الدخول الى الوضع السياسي من باب الاستقرار امر يجد تبريراته في قرارات مجلس الامن بالذات. وقبل عشرة ايام اعاد مجلس الامن في ضوء التظاهرات الاخيرة تأكيد الاستقرار ووجوب انتخاب رئيس جديد، لكن تأكيده بدا في موقع تبديد الشكوك ان هناك مؤامرة تستهدف لبنان او جهات دولية تم اتهامها مشجعا الحراك المدني وداعما الاستقرار والحكومة .
لكن حين أنشئت مجموعة الدعم الدولية في ايلول 2013 والتي ستعود الى الاجتماع في نهاية الشهر الجاري في حضور رئيس الحكومة سلام تركزت اهميتها على البعد السياسي الذي اتسمت به انطلاقا من ان دعم استقرار لبنان شكل اجماعا بين الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن في ظل خلافات كبيرة وانقسامات تعصف بين هذه الدول حول جملة ملفات اقليمية ودولية. واهميتها كانت امنية وسياسية بالنسبة الى لبنان اكثر منها مالية اي تقديم مساعدات له. إذ دعمت هذه المجموعة حياده بناء على اعلان بعبدا الذي ورد في بيانات المجموعة ونجحت في تحييده امنيا من خلال دعم غير مسبوق للجيش تولته دول مؤثرة في مقدمها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمملكة السعودية وشاركها في هذا النجاح ايضا الافرقاء المحليون الذين رفضوا الانجرار الى حرب اهلية داخلية. واعلان بعبدا اكتسب هذا الاسم نتيجة طاولة الحوار الذي اتفق على نتائجها في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان الا انها تعني واقعا انها تدعم مضمونه الذي يعني تحييد لبنان عن الوضع السوري. وفي الاجتماع المقرر في اواخر ايلول الجاري يتعين على لبنان وفقا للاوساط الديبلوماسية نفسها ان يطلب من المجموعة الدولية التي يشارك فيها الرئيس هولاند البحث في الدعم السياسي للمساعدة في تنفيذ بيانات مجلس الامن التي تمحورت في بنودها على دعم الاستقرار الداخلي ولا يجوز الاستهانة بالدور الذي يمكن ان يلعبه لبنان. اذ ثمة حاجة الى قرار كبير تتخذه هذه المجموعة ويكتسب اهمية معنوية مؤثرة من اجل التحدث مع القوى الاقليمية المؤثرة. فهناك من حيث المبدأ ثلاثة مستويات على الاقل للمواقف الدولية تتدرّج من التمني على الدول الاقليمية الى الطلب منها فالانتقال في مرحلة ثالثة الى الضغط. وحتى الآن اقتصرت الامور على التمني من دون ان يرقى الى مستوى الطلب او الضغط في حين ان تحييد لبنان سياسيا عن ازمة سوريا المجاورة في شكل اساسي والذي يتمثل في السعي الى تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية بات يتطلب قرارا استراتيجيا بممارسة بعض الضغوط على الافرقاء الاقليميين من اجل تحقيق ذلك.
من هذه الزاوية فان ما سيصدر في نيويورك عن مجموعة الدعم أمر يكتسب أهمية مضاعفة في ضوء الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي. فاذا جاء البيان المتوقع صدوره قويا ومعبرا عن حزم كاف لدعم لبنان سياسيا، فان وقع زيارة هولاند سيكون مختلفا باعتبار انها ستندرج في اطار تدعيم مضمون هذا التوجه. وهو امر يتوقعه اللبنانيون بقوة من رئيس فرنسا نظرا الى موقع فرنسا معنويا بالنسبة الى لبنان وسبق ان تدخلت على خط تذليل العقبات امام حصول انتخابات رئاسية بالجهود التي بذلتها مع الاطراف الاقليمية لا سيما مع طهران، وذلك تحت طائل ان يفهم البعض ان فرنسا بالذات ومن موقعها المميز بالنسبة الى لبنان ومسيحييه في شكل خاص يمكن ان تتعايش او تتكيّف مع وضع سياسي يستمر فيه شغور موقع رئيس الجمهورية. وهو امر يخشى ان تستفيد منه الجهات المعرقلة من أجل ان تستمر في موقفها من دون ان تشعر ضرورة ان تساهم في الافراج عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية.