على رغم التوقعات غير المرتفعة لزيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في موضوع تحريك ملف الانتخابات الرئاسية والتي شارك في تحديدها كل من المسؤولين الفرنسيين المعنيين والمسؤولين اللبنانيين على حد سواء، فان مصادر ديبلوماسية عليمة تتحدث عن وجود شيء ما في الاجواء لجهة البحث عن مخارج جديدة للازمة لكن من دون ان تفصح عن التفاصيل في انتظار ان تتوافر عناصر النجاح لمساعي او محاولات تحريك موضوع الرئاسة والتي تتحفظ المصادر عن احتمالاتها. اذ ان الشكوك تبقى كبيرة في ضوء التأثيرات الاقليمية المعروفة على الملف الرئاسي ولبنان كلا الى حد رسم سيناريوات ساخرة لجهة ان المرحلة هي للتلهي بالانتخابات البلدية ما لا يقل عن شهرين قبل وبعد مواعيدها قبل ان تحل استحقاقات اخرى وصولا الى الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني المقبل ومن ثم انتظار تسلم الرئيس الجديد مهماته على غرار ما تم ربط الاستحقاق الرئاسي بمحطات خارجية عدة من دون جدوى. ولعل هذه المساعي لا تتناول في شكل خاص الاتصالات مع افرقاء الداخل فحسب انطلاقا من اقتناع بأن جهودا بذلت ادت الى تغيير المشهد في شأن الرئاسة خلال العامين الماضيين من عمر الشغور الرئاسي من مرشحين احدهما من قوى 8 آذار والاخر من قوى 14 آذار الى مرشحين من الاولى الى جانب تغيير مهم حصل في المشهد المسيحي مع المصالحة العونية القواتية التي توجت بدعم الدكتور سمير جعجع زعيم التيار العوني الجنرال ميشال عون. فان تكن هذه المصالحة لم تغير شيئا في المعادلة الداخلية المتصلة بالانتخابات فان ذلك لا يعني انها لم تساهم في تبديل المعطيات التي لم تخف هذه المصادر قولها او تردادها امام المسؤولين كافة. هذه المعطيات يمكن اختصارها في الاتي:
ان المصالحة بين التيار الوطني والقوات اللبنانية وان لم تشمل كل الافرقاء المسيحيين فانها اغلقت ملفا مهما يتصل بتلبية ما طالب به الافرقاء السياسيون من الاطراف المسيحيين اي ان يتفق هؤلاء الافرقاء في موضوع الانتخابات الرئاسية من اجل انهاء هذا الملف. وبغض النظر عن شمولية هذه النقطة او عدم شموليتها او اسبابها وظروفها، فانها خففت الانتقادات الكثيرة التي كانت توجه الى الافرقاء المسيحيين استنادا الى ان عدم توافقهم انهك المسيحيين وساهم في الفراغ الرئاسي وهم تاليا تحملوا جزءا لا بأس به من المسؤولية في وصول الامور الى ما وصلت اليه من فراغ رئاسي في الموقع المسيحي الوحيد في المنطقة والمستمر منذ سنتين. الا انه وفي ضوء خطوة المصالحة، فان الكرة في رأي هذه المصادر لم تعد في الملعب المسيحي بل غدت في ملعب اخر انطلاقا من واقع انه لا يمكن التذرع بغياب التوافق المسيحي لعدم انجاز الانتخابات الرئاسية وحين يحصل اتفاق بين المسيحيين فان توافقهم لا يؤخذ في الاعتبار. وبات يتعين راهنا في رأي هذه المصادر ان يجلس الطرفان الشيعيان ويتفقان في ما بينهما على اي من المرشحين يتعين عليهما دعمه انطلاقا من اقتناع بأن الرئيس نبيه بري لن يرغب بدعم العماد عون وفق ما يسري بقوة في كل الاوساط مع تفضيله دعم النائب سليمان فرنجية في حين يؤكد ” حزب الله” استمرار دعمه لحليفه العوني. وهذا الاختلاف في الموقف بين الحليفين الشيعيين يعني انه ومثلما تم تحميل الاختلاف بين المسيحيين وعن حق المسؤولية في تعطيل الملف الرئاسي فان المنطق والاعذار نفسها تنطبق على الاخرين بحيث ان الفريق الشيعي يتحمل راهنا المسؤولية في المقابل خصوصا ان احدهما يشارك في جلسات الانتخاب والاخر لا يفعل ولا يقنع احدهما الاخر بموقفه. فاذا كان السبب تذرعا بالمنطق الديموقراطي في عدم دعم احد المرشحين باعتبارهما يحتلان المكانة نفسها فان ذلك لا ينفي او لا يجب ان يخفي ان المنطق الديموقراطي نفسه الذي يتم رفعه في هذا الاطار يجب ان ينسحب على واجب النزول الى مجلس النواب للمشاركة في انتخاب رئيس للجمهورية في ظل وجود مرشحين اثنين للفريق نفسه. والكلام على سحب احد المرشحين لحساب الاخر لا ينسجم مع المبدأ الديموقراطي بل ما ينسجم معه هو المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس العتيد وانتخاب احدهما. فلماذا يطالب المسيحيون بالاتفاق في ما بينهم ولا يطالب الاخرون بذلك؟ ولماذا يصح المنطق الديموقراطي حين يرغب البعض في تبرير موقف ما ولا يصح المنطق نفسه في تبرير موقف الاخرين؟
ان المشهد الذي واكب دعم ترشيح النائب فرنجية في مقابل دعم ترشيح عون انطوى على انقلاب كبير حمل تداعيات كبيرة برزت في الانشقاق الذي شهده كل من فريقي 14 آذار و8 آذار كما ان تداعياته ستستمر كبيرة في المستقبل القريب ولن تتوقف عند الحد الذي وقفت عنده. هذا المشهد اتاح القول ان المبادرات التي اطلقت قد وصلت الى اقصاها بحيث ان ملف الانتخابات الذي يمكن تشبيهه بصندوق له اكثر من مفتاح قد تم فتحه بالمفتاح اللبناني لكن فشل الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية على رغم الانقلاب الداخلي الذي حصل انما يعني امرا واحدا ان الصندوق بات يحتاج الى مفتاحه الخارجي ولم يعد يمكن القيام بالكثير داخليا. اذ ان الافرقاء الداخليين باتوا اسرى مواقفهم من جهة في حين ان بعضهم قدم اقصى ما يمكن في اطار ما يخدم مصالحه ولا يمكن توقع ان يقدم المزيد فيما ينتظر اخرون عامل الوقت او التطورات الاقليمية ان تأتي بالاخرين الى موقفهم.