حال المراوحة القاتلة التي تفرض على اللبنانيين التعايش مع سلبيتي الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي على ايقاع ملفات تفرخ ازمات اقتصادية ومعيشية، خرقت زيارة وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية توماس شانون لبيروت، رتابة المشهد الداخلي العابق بروائح النفايات وخلافاتها السياسية، بعد مواقف الرئيس نبيه بري في ذكرى الامام الصدر التي ولدت مجموعات من الممتعضين بين من رفض انتخاب الرئيس بعد السلة وبين من رفض اتهامه بالدلع المعطل للمؤسسات قبل ان يتلقفها تيار المستقبل والتيار الوطني الحر ويتقذفانها، وتلك الخاصة بكيفية تلهي المسؤولين في مرحلة الوقت الضائع والى حين نضوج طبخات التسويات لازمات المنطقة، بسلل الحلول المطروحة على بساط البحث الذي تتجاذبه الاطراف بين مؤيد ورافض، والكل عالم ان المخرج الحقيقي لسلة الازمات في مكان آخر.
غير ان الزيارة الاميركية، التي لم تحمل جديدا في المضمون يتصل بالملف الرئاسي ، حملت في توقيتها رسائل سياسية مهمة بحسب مصادر ديبلوماسية غربية، مفادها أن واشنطن لن تغيب عن لبنان وإستقراره، في ظل الوضع السياسي اللبناني المتأزم بتعقيداته، من ضمن جولة سياسية تحاط بتكتم شديد من الجانب الاميركي، الذي لم تعتد ادارته يوما ايفاد دبلوماسييها الى لبنان إلا وكان البعد السياسي الإستراتيجي يسبق الزيارة، ضخت جرعة من الطمأنينة لجهة استمرار الدعم الطويل الامد للبنان ومؤسساته وشعبه، كما اوضح الضيف الاميركي .
وفي انتظار ما ستتمخض عنه زيارة شانون، تزامنا مع دخول ،الولايات المتحدة تدريجيا تحت تأثير انتخاباتها الرئاسية تشرين الثاني المقبل، الموعد الذي كلما اقترب أبعد ملفات المنطقة والعالم عن قائمة اهتمامات واشنطن، بانتظار مقاربة الادارة العتيدة لها ، علما ان بيروت غير موجودة في أولويات القادم الى البيت الأبيض الجديد ، أكان جمهوريا او ديمقراطيا، حيث الثابت الوحيد في الرزنامة الاميركية برأي المصادر، هو الاستقرار واستمرار دعم المؤسسات العسكرية والامنية اللبنانية للحفاظ عليه، خصوصاً مع احتلال مكافحة الإرهاب اولوية الاهتمامات العالمية، بالرغم من أنّ أزمات المنطقة تشكل سلسلة واحدة ، من ضمن حلقاتها الملف اللبناني الذي سيتأثر حكماً بمسار التسويات الكبرى، كونه أحد تفرعاتها وليس بكونه ملفاً حيوياً قد يستدعي تدخلاً أميركياً مباشراً.
المصادر الديبلوماسية الغربية التي واكبت التحضيرات للزيارة وضعتها في اطار ما سبقها من زيارات دبلوماسية عربية واوروبية، بوصفها الى حد كبير استطلاعية واستكشافية، رغم انها تحمل رسائل مكررة حول الاستقرار وضرورة الحفاظ عليه، وهو ما نقله شانون الى القيادات اللبنانية، من خلال تأكيده امام من التقاهم،على اربع نقاط رئيسية:
– لا يزال لبنان مدرجا على لائحة اهتمام الولايات المتحدة،والدور الذي سيلعبه مستقبلا بالنسبة لواشنطن، بدليل اعادة تفعيل العمل وتسريع مشروع بناء مقر السفارة الجديد في عوكر بكلفة حوالي المليار الدولار، لتكون احد ابرز محطاتها الدبلوماسية في المنطقة، رغم كثرة الملفات الاقليمية وسخونتها، من سوريا الى اليمن مرورا بالعراق، من جهة، ورغم انهماك واشنطن بانتخاباتها الرئاسية من جهة أخرى.
– فيما خص الاستحقاق الرئاسي، اعادة تأكيد اميركية على ان الاستحقاق يبقى لبنانيا، ضمن اطار احترام المواثيق الدولية والديمقراطية والتزام لبنان بالقرارات الدولية، من هنا الاصرار على ان واشنطن لا تدخل في لعبة الاسماء انما اتصالات حول مواصفات الرئيس مع مراعاة خصوصية الوضع الداخلي، حيث اشارت اوساط متابعة الى ان لا مجال للقبول برئيس يشرع دور حزب الله في لبنان على حدّ قول المصادر نفسها، او يسمح بقلب المعادلات في المنطقة عبر البوابة اللبنانية، مؤكدة وجود تعهد اميركي بان لا يدفع لبنان ثمن الاتفاقات الاقليمية، من هنا المبادرة الاميركية فيما خص ملف اللاجئين السوريين.
-الاشادة الاميركية بدور لبنان الفاعل في الحلف ضد الارهاب ونجاحه في تحقيق انجازات كبيرة على هذا الصعيد،وبالتعاون والتنسيق الكبيرين مع الاجهزة الغربية، الامر الذي دفع بالادارة الاميركية الى رفع نسبة المساعدات العسكرية المخصصة للقوات المسلحة اللبنانية، وشملها عددا من الاسلحة النوعية من صواريخ موجهة فضلا عن عشرات القطع المدفعية من عيار 155 ملم الحديثة وسيارات الهامفي المصفحة التي تؤمن حماية للوحدات المشاركة في العمليات العسكرية على طول الحدود الشرقية، فضلا عن قرار اميركي بتقديم طائرات «السوبر توكانو» العشر كهبة مع تجهيزاتها، كذلك الاجازة لاحدى الدول العربية بتسليم عدد من دبابات ال «ام 60» للبنان.
وفي هذا الاطار اعاد المسؤول الاميركي الاشادة بدور الجيش وقيادته وادائه المميز في سرعة استيعاب المعدات المقدمة والتعامل معها بحرفية كاملة، بحسب ما تؤكد تقارير الوفود العسكرية الاميركية التي تزور لبنان.
– الإستقصاء والتحقيق في مدى جدية وإلتزام المصارف اللبنانية بتطبيق قانون العقوبات الأميركي على اموال حزب الله ومؤسساسته والداعمين له بحسب المصادر الديبلوماسية الغربية، ولهذا سيكون لشانون لقاء مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأركان جمعية المصارف وهنا خلاصة تقول أن واشنطن عادت الى الساحة اللبنانية من جديد وبيدها عدة ملفات دسمة، حيث لمس من التقاهم اصرارا واضحا على السير في هذه الخطوة وفقا لمعادلة دقيقة لا تؤدي الى انهيار الاقتصاد اللبناني او تضرر القطاع المصرفي اللبناني.
في خلاصة النتائج الاولية للزيارة وتحليلها، لا رئيس للبلاد قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية. فهل يحتاج الكلام الجديد الى الكثير لمعرفة صدفة الكلام المستقبلي الذي باح به الرئيس فؤاد السنيورة، مع ذاك الذي حمله الى لبنان مساعد وزير الخارجية الاميركي ؟ وهل هي صدفة ان يأتي كل ذلك بعد كلام الرئيس نبيه بري عن السلة المتكاملة من رئاسة وحكومة وقانون انتخاب؟