Site icon IMLebanon

عن «الخريطة» التي ميّزت زيارة سيجورنيه لبيروت؟

 

 

 

طالما ان وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه لم يحمل معه إلى بيروت الورقة الفرنسية الجديدة المنقحة، تعددت الأسئلة عن الهدف من الزيارة، وعن الجديد المحتمل الذي لم تتناوله لقاءات الاليزيه في التاسع عشر من الشهر الجاري ليحملها شخصيا الى بيروت. وفي ظل العجز عن الإجابة عن أي من هذه الاسئلة توقف المراقبون أمام اهمية الخريطة التي عرضها رئيس مجلس النواب نبيه بري على الضيف التي لولاها لما تميزت الزيارة عن سابقاتها. وعليه ما الذي يقود الى هذه القراءة؟

بفارق 10 أيام عن لقاءات الساعات الثلاثة التي جمعت في قصر الإليزيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون بما فيها الاتصال الهاتفي الذي ارداه الرئيس ماكرون برئيس المجلس النيابي نبيه بري جاءت زيارة وزير الخارجية الفرنسية إلى بيروت ستيفان سيجورنيه ليوم واحد ميزته الزيارة التفقدية الميدانية التي قام بها الى قوات “اليونيفيل” في الجنوب وما شهده اللقاء برئيس مجلس النواب الذي كان غائبا عن لقاءات باريس ولم يشأ زيارتها لألف سبب وسبب، فهو قليل التحرك خارج لبنان ما خلا تلك الزيارات المرتبطة بالحضور اللبناني في مجالس ومؤتمرات البرلمانات العربية والدولية التي الفت وجوده منذ ثلاثة قرون ونصف تقريبا.

اما وقد انتهت الزيارة كما بدأت فقد عجزت الأوساط الحكومية والسياسية اللبنانية عن اعطائها اي توصيف دقيق سوى انها من اجل الاستطلاع والتاكيد على سلسلة النوايا الفرنسية الطيبة تجاه لبنان وتمنياتها بأن يستعيد البلد امنه و هدوءه واستقراره وأن يختار له نوابه رئيسا للجمهورية. ذلك ان ما اذهل بعض الاوساط ان الورقة الجديدة التي انتظرها اللبنانيون سبقت الديبلوماسي الضيف الى اسرائيل قبل ثلاثة او اربعة ايام على زيارته المرتقبة الى تل ابيب غدا وبعد غد فيما تردد ان نسخة منها توجهت الى طهران بالوسائل الديبلوماسية والقنوات المفتوحة بالواسطة بين باريس وطهران بعدما تردت العلاقة بين العاصمتين على خلفية المحاكمة التي يتعرض لها اربعة فرنسيين أمام المحاكم الايرانية منذ فترة طويلة بتهم مختلفة.

وفي تعليقها على ما شهدته الزيارة لساعات قليلة قالت مصادر نيابية ان الرئيس نبيه بري تنبه إلى شغف الوزير سيجورنيه بالخرائط فقدم له عرضا مفصلا لحصيلة العمليات العسكرية في الجنوب التي ترجمته خريطة وضعها المجلس الوطني للبحوث العلمية بالتنسيق مع المراجع الامنية والوزارات المعنية بالقطاعات الاقتصادية والتجارية والزراعية وما انتهت إليه الغارات الاسرائيلية من أضرار في القرى الجنوبية وسكانها المدنيين على اكثر من مستوى انطلاقا من حجم التدمير الممنهج وصولا الى مساحة الاراضي الحرجية والاشجار المثمرة المحروقة التي التهمتها القنابل الفوسفورية المحظورة دوليا كما بالنسبة الى مواسم التبغ التي لم يتمكن الجنوبيون من استثمارها على الرغم من كونها موردا اساسيا لحياة آلاف العائلات الجنوبية وصولا الى عدد الشهداء والجرحى والمعاقين اللبنانيين وخلافها مع التلميح الى حجم الأضرار غير المنظورة التي ما زال لبنان يحصيها حتى اليوم دون التوصل الى أرقام واضحة وشبه نهائية.

وبانتظار ان تصل الورقة الفرنسية التي وعد بها سيجورنيه قالت مصادر ديبلوماسية انها لن تصل بالحقيبة الديبلوماسية وان وفدا فرنسيا تقنيا وعسكريا وديبلوماسيا فرنسيا سيحمل الورقة فور انتهاء زيارة سيجورنيه إلى تل أبيب التي باتت المحطة الاخيرة في زيارته الشرق اوسطية التي شملت لبنان والمملكة العربية السعودية واسرائيل للخروج من بعدها بالملاحظات الاسرائيلية التي سينقلها الى بيروت بعد جمعها في الورقة المنتظرة بحثا عن الموقف اللبناني من نقاطها المختلفة .

وتعليقا على هذه المعلومات فقد كشف العارفون ببعض التفاصيل المرتبطة بتركيبة الوفد الفرنسي الذي الذي يعود الى لبنان في الايام المقبلة بعدما امضى اياما عدة في بيروت قبل فترة تزامنت مع تقديم العرض الفرنسي الأول قبل ان يعود الى بلاده بالخلاصات التي لم تؤدي الى التفاهم على اي خطوة تحدثت عنها. وكل ذلك كان طبيعيا نتيجة المواقف المتناقضة من شكلها ومضمونها والتي ادى الفشل في تسويقها إلى صرف النظر عنها قبل ان يحييها الرئيس ماكرون في لقاءات باريس الاخيرة. فالجميع يدرك انه سبق لإسرائيل ان رفضتها، ولم يشا لبنان ان يناقشها بعدما اعتبرها “الثنائي الشيعي” بوجهيه السياسي والعسكري انها “ورقة اميركية” تتماهى والنظرة الاسرائيلية الى الوضع في جنوب لبنان. وكما قيل في حينه فقد تمت صياغتها بـ”اسلوب فرنسي” لا اكثر ولا اقل.

ولم يكن ذلك سرا خافيا على كثر وقد كان كافيا في حينه العودة الى شكل ومضمون “رسالة الدولة” التي سلمها وزير الخارجية عبد الله بو حبيب في منتصف ايار الماضي الى السفير الفرنسي في بيروت هرفي ماغرو ردا على سمي بالمبادرة الفرنسية. وهو ما نضحت به الرسالة من إشارات الى مجموعة القيم والمبادئ السياسية والديبلوماسية المنمقة التي جمعت في صفحة واحدة. واكتفت بتوجيه “التحية الصادقة للجهود الفرنسية بلغة “رومنسية” فاضت مثيلاتها في التعبير عن الشكر للاهتمام الفرنسي بلبنان من دون ان تحتوي على أي عبارة واحدة في ما اقترحته الخطة الفرنسية من خطوات ديبلوماسية وسياسية وعسكرية.

 

وبناء على ما تقدم من المعطيات الناشفة المحيطة بالزيارة الفرنسية اعتبرت المراجع المعنية أنه من الأفضل مراقبة وانتظار ما ستنتهي اليه لقاءات القاهرة أمس ومصير المناقشات التي يجريها وفدان من حماس واسرائيل حول ما سمي بـ “المقترح المصري الجديد” لتبادل الرهائن والاسرى والمعتقلين بين الطرفين تمهيدا للبحث في قوف للنار لترجمة الخطوات متى حظيت بموافقة الأطراف المعنية. ولا بأس ايضا من انتظار نتائج لقاءات الرياض وأعمال اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الاستثنائية التي عقدت في الرياض في شباط الماضي والتي شارك في جانب منها بعدما ضمت وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي نظيرهم الاميركي انتوني بلينكن في مسعى قيل إنه من أجل خطوتين مهمتين هما “وقف النار كيفية تنفيذ حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين”.

وفي الخلاصة فإن ما تعنيه هذه المؤشرات ان على المسؤولين في لبنان نسيان زيارة الوزير الفرنسي وما انتهت إليه من علاقات عامة بعدما تقلصت كل الخيارات الديبلوماسية والسياسية وباتت محصورة باثنين منها:”اما اتفاق شامل سياسي وعسكري وديبلوماسي يفتح الطريق إليه وقف للنار” او انتظار “ما ستنتهي اليه عملية اجتياح رفح” وما يمكن ان يرافقها على الجبهة الشمالية مع لبنان وان اي خيار ثالث سيبقى في اذهان الحالمين بالمفاجآت غير المحسوبة التي لم يلحظها أي سيناريو آخر.