زيارة وزير خارجية فرنسا للبنان أسيرة إنقسام اللبنانيِّين حول الإستحقاق الرئاسي
معارضو وصول عون للرئاسة مهتمون و«حزب الله» يقلّل من تأثيرها ونتائجها
لم يبذل «حزب الله» أي جهد ملموس لسحب النائب سليمان فرنجية منافس مرشحه ميشال عون من السباق الرئاسي
بالرغم من أن الأجواء السياسية والمواقف المعلنة من زيارة وزير خارجية فرنسا مارك إيرلوت إلى لبنان غير مشجعة إجمالاً بالنسبة لإمكانية تحقيق اختراق ملموس في انتخابات رئاسة الجمهورية المعطّلة بقرار إيراني صرف، إلا أنه لوحظ بوضوح أن التعاطي مع هذه الزيارة يختلف من طرف لآخر وحسب توجهات كل طرف وتطلعاته من مسألة الاستحقاق الرئاسي وأيّ مرشّح يدعم ويؤيّد في هذه الانتخابات التي باتت الشغل الشاغل للبنانيين طوال العامين الماضيين وما زالت تؤثّر تداعيات تعطيلها على مجمل الوضع السياسي وعلى حركة الدولة ككل.
وتبدو الأطراف الداعمة لإجراء الانتخابات الرئاسية وتقليص مهلة الفراغ الرئاسي وفي مقدمتها «تيار المستقبل» مهتمة بزيارة المسؤول الفرنسي البارز لما تحمله من دلالات على اهتمام فرنسا بالشأن اللبناني وإصرارها على مدّ يد المساعدة للبنانيين لتجاوز مشكل تعطيل الانتخابات الرئاسية انطلاقاً من علاقات الصداقة التقليدية التي تربطها بلبنان منذ عشرات السنين، وهي ترغب بالفعل في توظيف مكانتها الدولية وعلاقاتها الجيدة مع الدول المعنية بالوضع اللبناني وتحديداً المملكة العربية السعودية وإيران، إلا أن هذه الزيارة لا تلقى الاهتمام نفسه من الأطراف المعطّلين لانتخابات رئاسة الجمهورية وفي مقدمتهم «حزب الله» و«التيار العوني»، الذين يمعنون في منع النواب من الحضور إلى جلسات انتخاب الرئيس منذ بدايتها وحتى اليوم، ويروّجون مسبقاً أن لا جدوى من زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلا إذا كانت تدعم وتؤيّد النائب ميشال عون للرئاسة في وجه منافسه النائب سليمان فرنجية الذي حظي في وقت سابق بتأييد ملحوظ لترشيحه للرئاسة من قبل الجانب الفرنسي.
وفي ظل هذه الأجواء السياسية الإنقسامية التي تظلل الانتخابات الرئاسية في لبنان، يبدو المسعى الفرنسي يحاول مجدداً التحرّك بصعوبة وسط غياب وتلكؤ معظم اللاعبين الأساسيين في المنطقة عن مد يد المساعدة المعهودة للبنان لتجاوز مأزق الانتخابات الرئاسية مستفيداً من زيارتي كل من ولي ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان بن عبد العزيز وزيارة وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف للعاصمة الفرنسية مؤخراً ومفاتحتهما بمسألة الانتخابات الرئاسية في لبنان وموقف حكومتها منها، في حين يواجه المسعى الفرنسي المتجدد استمرار الموقف الإيراني المراوغ والبداية من هذه المسألة وفحواه ان إيران لا تتدخل بالشؤون الداخلية للبنان «خلافاً» للواقع والممارسات الملموسة للنظام الايراني من دخول «حزب الله» الذي لا ينفك عن استعمال كل وسائل الترهيب التي يمتلكها لتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، ما دام الفراغ في سد الرئاسة وعدم وجود رئيس للجمهورية بيد الحزب في انتهاك مؤسسات الدولة وتجاوز الدستور والقوانين وامعانه في عبور الحدود اللبنانية السورية ومشاركته الحرب التي يشنها رئيس النظام السوري بشار الأسد ضد أبناء الشعب المنتفضين ضده، وما دام موسم مقايضة النظام الإيراني لمشاركته الدموية في الحرب السورية مع العرب لم يحين بعد في انتظار تفاهم الدولتين المؤثرتين عالمياً الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
لذلك، تبقى زيارة وزير خارجية فرنسا إلى لبنان أسيرة المواقف الرافضة لعرض اسم النائب ميشال عون مرشحاً وحيداً للرئاسة اللبنانية من قبل أكثرية اللبنانيين واكثرية أعضاء المجلس النيابي اللبناني، مقابل مواقف أقلية التي يمثلها حزب الله، والتي تتلطى وراء ترشح عون للرئاسة لتعطيل انتخابات الرئاسة إلى الوقت الذي تستفيد منه إيران من مقايضة الرئاسة اللبنانية بمصالحها بالمنطقة.
ولعل أبلغ مؤشر على رفض ترشيح النائب عون للرئاسة كان نتيجة الجولة الاخيرة التي قام بها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لدى زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط وغيرهم والتي لم تؤد إلى تغيير مواقفهم الرافضة ترشيح عون للرئاسة، في حين لم يبذل «حزب الله» الذي يدعي ظاهرياً تأييده لترشيح عون أي جهد ملموس لسحب منافسه النائب سليمان فرنجية من السباق الرئاسي، وهكذا دواليك يبقى تعطيل الانتخابات الرئاسية أسير هذه الدراسة التي تواجه مهمة وزير الخارجية الفرنسي، والسؤال هل يستطيع اختراقها؟ والجواب من جميع الأطراف كافة.