IMLebanon

زوّار من جهنّم!

ما أكثر أمثال ديلان روف في العالم العربي. دخل هذا الشاب الأبيض كنيسة قديمة للسود في ولاية كارولينا الجنوبية ليقتل تسعة من المصلين. يؤمن بالصفاء العرقي والديني. تماهى مع كثيرين في مدن كثيرة في العراق وسوريا وبعض لبنان واليمن وليبيا وغيرها في منطقة “ملعونة” بالأزمات. يريدون شراء تذاكر سفر الى الجنة. إنما هم زوار من جهنم.

وقت سربل الإرهاب عدداً لا يستهان به من الدول العربية، أقلق ديلان روف أميركا. أعاد فتح الجدل بين الأميركيين في الدوافع العميقة لارتكاب جرائم كتلك التي وقعت في كنيسة عمانوئيل الأسقفية الميتودية للأفارقة في مدينة تشارلستون. على رغم الإنجازات التاريخية التي تحققت منذ بدء حركة الحقوق المدنية في الستينات من القرن الماضي، لا تزال الولايات المتحدة تعاني عنصرية مقنّعة. تلمس الأوجه المتعددة للتمييز ضد السود خصوصاً في الجامعات والمؤسسات العامة والخاصة والمجتمعات المحلية. يؤكد وصول أول رئيس أسود الى البيت الأبيض أن باراك أوباما ليس “خروفاً أسود” في قطيع أبيض. تحرم مواد الدستور الأميركي وتعديلاته والقوانين المرعية تصنيف الناس على أساس اللون والعرق. تبذل جهود استثنائية لـ”السهر” على تطبيقها. غير أن الرأي العام الأميركي، ممثلاً بوسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية وغيرها، يتحدث بوضوح عن أوجه قصور متعددة. لا يتعلق الأمر باللون والعرق فحسب. يكمن الخلل أيضاً في التفاوت الطبقي (اقتصادياً ومالياً) والإجتماعي (على أساس الجندر) وحتى التعليمي.

لا مكان لـ”غريب” في أكثر بلدان العالم العربي. لا ضيوف ولا سياح الآن. المقاتلون الإرهابيون الأجانب يطوفون كل مكان سعياً الى حزّ الرقاب. تصنيف الناس على قدم وساق، وطنياً ودينياً وطائفياً ومذهبياً وعائلياً وعرقياً. ما أشطر البعض في صناعات تعليب التهم بالخيانة والعمالة. ما أسهل البذاءة والإستهتار. تكاد تصير معتادة الأخبار عن التهجير والقتل للمسيحيين وأبناء الأقليات الأخرى. يفاخرون بـ”زواج النكاح” والإغتصاب وفتح أسواق النخاسة للأيزيديات والقاصرات سناً من غير المسلمات. أليس هذا التطهير بعينه؟ يتسابقون على تدمير الكنائس وعلى قتل المصلين في مساجد السنّة والشيعة على السواء… ثم يطنبون في الحديث عن مفاسد أميركا وعن ذلك المجرم الذي يقتل الناس العزل في كنيسة تشارلستون.

في المقابل، أميركا بلد بمنازل كثيرة. فيه أكثرية من البيض. استوطنه أجدادهم قبل بضعة قرون. غير أن مواطنيه تحدروا من أربع جهات الأرض. ليست هجنة أن فيه أناساً ذوي أصول انكليزية وفرنسية وألمانية وروسية وإسبانية ولبنانية ومغربية وكينية وسنغالية… دواليب الفرص كبيرة وكثيرة.

غير أن هذه الأميركا لم تتصالح بعد مع القيم التي قامت عليها. النقاش جدّي. لو كان المهاجم في تشارلستون عربياً أو مسلماً لكان التصنيف حاسماً ونهائياً: الإرهاب. أما وأنه أبيض، سيواجه لا شك تهماً كثيرة: مجرم، ذئب مستوحش وكل ما هو دون الإرهاب.

غير أنه في نهاية المطاف زائر آخر من جهنم.