لا يمكن لزوار الرياض إلّا أن يكتشفوا حجم الغضب في المملكة السعودية إزاء الضربة الروسية في سوريا. وهو شعور يسود الدوائر الملكية العليا والمواطنين باعتبارها «انقلاباً شاملاً» بكلّ المعايير الدبلوماسية والعسكرية، ولا توفر الولايات المتحدة التي سلمت المنطقة للفوضى. ولذلك لن تتردّد بالسعي لوقف الإنقلاب ومنع تحقيق أهدافه. ولكن كيف؟
فجر الأول من تشرين الأول الجاري تفتحت عيون السعوديين على واقع جديد في سوريا، فقد باشرت أسراب من طائرات السوخوي غاراتها الجوية على مواقع المنظمات السورية المعارضة من دون إستثناء، ما أحدث صدمة كبيرة وقوية خصوصاً بعدما تبلغت أنّ الغارات شملت لوائح وضعها النظام السوري وأعوانه من محليين واقليميين وتجاوزت اللوائح التي وضعها الحلف والتي تصنّف المجموعات المعارضة بين حليفة وغير حليفة في محاولة لتسهيل العملية البرّية التي كانت قد وضعت لها الخطط في دمشق من اجل استعادة السيطرة على ما فقده النظام إبان الفترة الأخيرة في ريفَي حمص وحماه واطراف حلب وعلى تخوم المنطقة الساحلية لجهة جسر الشغور وسهل الغاب بوابات العمق السوري الى الساحل.
ويقول زوّار العاصمة السعودية إنّ الصدمة السعودية بقيت لساعات لإعتقاد قادتها أنّ العملية تجريبية ومحدودة بانتظار ترتيبات لا بدّ منها مع قيادات الحلف الدولي وواشنطن. لكن ما تلاها من حملة إعلامية ودعائية لم تقم بها القيادة الروسية يوماً،
لا في افغانستان ولا في أيّ عملية خارج أراضيها، غيرت النظرة في لحظات. وكان ذلك قبل أن تقدِّم روسيا عروضاً عن نوعية وأحجام اسلحتها المستخدَمة وفعاليتها تجاوزت القول إنها عملية محدودة، وزاد الطين بلة أنّ القيادة الروسية ارفقت عملياتها في اليوم الأول بتوجيه رسائل الى القيادة الأميركية ودول الحلف تدعوها الى إخلاء الأجواء التي تعمل فيها الطائرات الروسية على كامل اراضي الشمال السوري وصولاً الى الحدود العراقية والتركية،
وذلك قبل ساعات قليلة على كشف الأتراك أنّ طائرتين روسيتين خرقتا الأجواء التركية في الخامس والسادس من تشرين الأول الجاري ما رفع من منسوب القلق، لا سيما أنه تزامن مع إشارة القيادة الأميركية أنّ صداما كان محتمَلاً بين طائرة من دون طيار لها والطائرات الروسية قبل أن تتحدث عن تغيير سير طائرات الحلف لمنع مثل هذا الصدام.
وفي هذه الأجواء جاء نبأ إستخدام الصواريخ الروسية العابرة للقارات من بحر قزوين لتهدد طائرات الحلف ومصير حلفائه على الأرض بعدما أُرفق النبأ بإحصائية أميركية وأخرى فرنسية تحدثت عن 53 عملية جوّية للطائرات الروسية ما بين 6 و7 تشرين الأول الجاري، استهدفت خمسة منها مواقع لداعش وأخرى لباقي الفصائل الصديقة للحلف، فتيقن السعوديون أنّ انقلاباً يجري وهذه اوصافه ووقائعه وفق القراءة السعودية:
– التردد الأميركي في المواجهة واقتصار التحرك على بيانات التحذير من تورط الروس في افغانستان جديدة وصدام مع مليار من السنّة المسلمين في العالم، وهو ما سيقود الى ترك المنطقة في حال من الفوضى غير المسبوقة.
– خرق الأجواء التركية ثلاث مرات متتالية، ما وضع انقرة في الموقع المستهدف نفسه للرياض بما يهدد مصالحهما القومية، فيما لم تُرصد سوى مسارعة الحلف الأطلسي لنجدتها بشكلٍ لم يتعدَّ مضمون بيان الإدانة والدعم حتى اليوم.
– الكشف عن غرفة عمليات ايرانية – روسية – سورية في العراق وبدء الحديث عن طلب عراقي مماثل للطلب السوري بالتدخل الروسي في شمال العراق.
وفي هذه الأجواء نقل عن مسؤول سعودي قوله إنّ ما يجري في سوريا يمكن تلخيصه برواية تقول إنّ الرئيس السوري تمكّن من «إستئجار الطيران الروسي وصواريخه والبوارج» من أجل توفير نصر مستحيل يسعى اليه من دون جدوى في شمال البلاد، واستعادة ما خسره فيها مقابل توسيع القواعد الروسية على الساحل السوري الدافئ.
وعليه لا يتردّد المسؤولون السعوديون في الإشارة بوضوح الى أنّ المملكة لن تتردّد بالقيام بما تراه مناسباً لحماية حلفائها ومنع قيام «سوريا – الإيرانية» ولا «سوريا – الروسية»، وهي تتعاون مع دول الحلف لمواجهة الإنقلاب ومنعه من الوصول الى أهدافه أيّاً كانت الكلفة.
ولذلك يقول مسؤولون سعوديون إنّ الحديث عن قمة سعودية – روسية كانت مقرَّرة في تشرين الثاني المقبل بات على لائحة المراجعة في الشكل والمضمون والتوقيت.
وهي قمة تمّت برمجتها بين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس فلاديمير بوتين قبل أن تصل الأمور الى ما وصلت اليه في سوريا. والأرجح بأنها ستكون هذه القمة من اولى ضحايا الإنقلاب الروسي، لأنّ العلاقة ستّتجه الى عكس ما نوت عليه القمة من تنسيق وتفاهمات سياسية واقتصادية بما فيها معالجة الملف السوري وأزمات المنطقة التي تعني الدولتين من العراق وسوريا الى اليمن.