يقول زوار أنقرة إنه لا توجد أيّ قوة يمكن أن ترسم أمام تركيا خطوطاً حمراً في سوريا، وهو ما دفع الى طرح مجموعة أسئلة لتبرير حجم الثقة المفرطة بالنفس على رغم كلّ العوائق التي رافقت عملية «درع الفرات». فهي مطمئنّة الى تفاهماتها مع الحلف الدولي وروسيا ما سمح لها بهامش واسع من الحركة. فما هي الأسباب الدلائل؟
كلّ التقارير الديبلوماسية والعسكرية الواردة من بغداد ودمشق وأنقرة تُجمع على الحديث عن سباق قائم تحت سقف الحلف الدولي وموسكو بين النظامين السوري والعراقي وحلفائهما من جهة وتركيا من جهة اخرى للسيطرة على المناطق التي تحتلّها «داعش» وأخواتها من المنظمات الإسلامية المتطرّفة في سوريا والعراق. وهو أمر مبرَّر بكلّ المقاييس العسكرية والسياسية، فالمواجهة باتت واحدة على اراضيهما.
فالحرب التي تخوضها بغداد تحت غطاء الحلف الدولي بكلّ قواها العسكرية النظامية ووحدات «الحشد الشعبي» التي ترعاها إيران وتلك التي بنيت لتكون مرادفة لهما من أبناء العشائر العراقية مضافة إليها وحدات «البشمركة» الكردية بغية استعادة السيطرة على منطقة الموصل لا يمكن فصلها في شكلها وتوقيتها وأهدافها عن تلك التي يخوضها النظام السوري بهدف استعادة السيطرة على أحياء حلب الشرقية وريفها الشرقي والغربي برعاية روسية ودعم مباشر من إيران والقوى المتحالفة معها كحزب الله والميليشيات العراقية الأخرى المساندة لها.
وفي مقابل هاتين الحربين العراقية والسورية تخوض تركيا حرباً مماثلة لتوسيع سيطرتها في المنطقة التي دخلتها في الشمالين العراقي والسوري في الموصل كما من جرابلس ومحيطها الى مدينة «الباب» على أبواب محافظة الرقة، سواءٌ بقواها العسكرية المباشرة أو بتلك التي تدعمها من وحدات «الجيش السوري الحر» وفصائل اخرى متحالفة معها.
وفي ضوء هذه المعادلة السورية – العراقية تشير التقارير الواردة من العراق وشمال سوريا الى أنه لم يعد هناك نقاش في السباق الذي تخوضه تركيا مع النظامين السوري والعراقي للسيطرة على مناطق خارج سيطرة الفريقين.
فلم يعد سرّاً الحديث عن تمدّد الأتراك بقواهم العسكرية وأذرعتهم المحلية في شمال شرق الموصل والشمال السوري. ففي العراق تخوض انقرة المواجهة بالتعاون مع دول الحلف الدولي، ومعها حلفاؤها المحلّيون الذين زاد عديدهم على خمسة عشر ألف مقاتل من طوائف مختلفة وثلاثة آلاف من العشائر السنّية بالتنسيق والتعاون مع قوات «البشمركة» الكردية في سباق للسيطرة على المناطق السنّية والمسيحية في شمال الموصل من جهة ومناطق «داعش» في الشمال السوري وصولاً الى مدينة «الباب» بفارق الأهداف.
ففي العراق تسعى تركيا الى مدّ سلطتها الى المناطق السنّية تحت شعار حمايتها ومنع تكرار المجازر التي ارتكبتها وحدات من الجيش العراقي و»الحشد الشعبي» في مناطق الرمادي وبعقوبة التي تمّ تحريرها منذ أشهر.
أما في سوريا فهي تحاول السيطرة على مدينة «الباب» لتوسيع «المنطقة الآمنة» التي بدأت بإنشائها منذ أن دخلت وحداتها ومعها حلفاؤها مدينة جرابلس السورية ومحيطها للحؤول دون قيام «الكيان الكردي المستقل» على حدودها الجنوبية قبل اكتماله بالسيطرة في المنطقة الممتدة من مدينة كوباني شرقاً الى مدينة عفرين غرباً وبعمق يزيد على أربعين كيلومتراً بتفاهم مسبق أنجزته بالإتفاق مع قوات الحلف الدولي بداية قبل أن تطوّر تحالفها مع موسكو في الفترة التي أعقبت إحباط الإنقلاب الذي قادته مجموعة من الضباط الأتراك من سلاح الجوّ التركي وأخرى كانت تتولّى قيادة الجبهة السورية ومنطقة اسطنبول.
وعلى هذه الخلفيات تعزّز كلّ التقارير التي وردت من إنقرة القول إنّ القيادة التركية استفادت من ردات الفعل التي تسبّب بها الإنقلابيون الأتراك في مواجهة سلطة الرئيس رجب طيب أردوغان فدفع بقواه العسكرية في اتجاه الداخل للقبض على السلطة بما أوتي من قوة فرضها نظام الطوارئ الذي لجأ اليه والخارج تحقيقاً لطموحاته الخارجية في الشمال السوري فكان له أن حقّق كثيراً ممّا أراد في المجالين من دون أن تواجهه أيّ مصاعب داخلية أو خارجية.
وعليه تعترف التقارير الديبلوماسية الواردة من أنقرة في الأيام القليلة الماضية بأنّ قوة الدفع التركية لا حدود لها، بفعل التفاهمات التي عقدها أردوغان مع واشنطن بغية تجاوز مفاعيل الإنقلاب بعدما اتّهمها بإيواء زعيم الإنقلابيين الداعية فتح الله غولن وتسهيل المحاولة في ساعاتها الأولى قبل أن يستعيد السيطرة على اسطنبول وأنقرة من جهة، ومع موسكو من جهة أخرى عندما أقر لها بأحقية التدخل في الأزمة السورية لمنع سقوط المناطق التي كانت في عهدة النظام بعدما بلغ الخطر الساحل السوري حيث القاعدة البحرية الروسية الشهيرة في طرطوس قبل أن تقيم قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة أخرى في حمص، عدا عن انتشار وحداتها في دمشق ومحيط حلب ومناطق اخرى من سوريا.
وبناءً على ما تقدم يؤكد زوار أنقرة أنها لم تعد تحتسب لردات الفعل الرسمية السورية والعراقية أيّ حساب تجاه رفض بغداد ودمشق عملياتها العسكرية في الدولتين لعدم قدرة أيّ منهما على رسم الخطوط الحمر على أراضيهما.
وهي تستعدّ من خلال زيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف لتركيا الأسبوع المقبل لتطوير التفاهمات معها على كلّ المستويات العسكرية والإقتصادية والنفطية وفي مجالات أخرى.
وكلّ ذلك يجرى من أجل أن يرسّخ السلطان التركي الجديد دوره في المنطقة والإفادة من توسعه في الأراضي العراقية والسورية لتعزيز حضوره على الساحتين عند بلوغهما مرحلة توزيع الأرباح.