Site icon IMLebanon

زيارات الموفدين لاستثمار انتصار الجيش

يواصل الجيش اللبناني معركة «فجر الجرود» في رأس بعلبك والقاع بالتزامن مع معركة المقاومة «وإن عدتم عدنا» من الجانب السوري وسط تأويلات كثيرة لما تضمّنه الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من إقحامه الجيش السوري ضمن مقولة «الجيش والشعب والمقاومة» المثبتة منذ سنوات في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة. فضلاً عن «كشفه» عن التعاون القائم بين الجيش والحزب في معركة الجرود الحالية، الأمر الذي تحذّر منه الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي تقدّم المساعدات العسكرية للجيش والأجهزة الأمنية.

لكنّ الإنتصار في معركة الجرود سيُسجّل للجيش اللبناني، بحسب أوساط ديبلوماسية مراقبة، وإن كان ثمّة من يُعاون عناصره في المراحل المتتالية التي يُنجزها بهدف دحر الإرهابيين الى غير عودة، أكان ذلك يحصل سرّاً أو علناً. فالتحذيرات الأميركية للمؤسسة العسكرية تضمّنت «شرط» عدم تقاسم الأسلحة المقدّمة للجيش مع الحزب. أمّا مسألة مع من على الجيش أن يتعاون لتحقيق النصر، فهو أمر يعود للقرار العسكري الذي يترافق مع القرار السياسي في البلد، وهذا لا يمكن الإشتراط عليه.

وما يهمّ الدول الكبرى التي تُقدّم المساعدات للجيش، هو أن يتمكّن من الإنتصار في معركته ضدّ الإرهاب. ومن خلال مراقبيها في لبنان تجد أن الجيش يُحقّق الإنتصار بفضل قوّته وقدراته البشرية وتوافر العتاد المتطوّر واللازم بين يديه، ولهذا تبدو مطمئنة لسير هذه المعركة ولما يقوم به الجيش على الحدود اللبنانية- السورية.

وإذا كان هدف الولايات المتحدة من استمرارها بتقديم المساعدات للمؤسسة العسكرية دعماً لمعاركها في محاربة الإرهاب، هو تقديم النصر لها من قبل الجيش والشعب والحكومة، والقول بأنّها صاحبة الفضل الأول والأخير فيه، فإنّ ذلك لن يحصل لأنّ فيه مبالغة كبرى، على ما عقّبت الاوساط، خصوصاً وأنّ الجيش غالباً ما حقّق انتصارات عدّة سابقة بمفرده وبدون توافر العتاد المتطوّر. الفارق هو أنّه تكبّد ثمناً باهظاً جدّاً في معاركه الماضية من دماء شهدائه الأبطال، واليوم يعمل العتاد كما السلاح المتطوّر المناسب على الحدّ من استشهاد أعداد كبيرة من عناصر الجيش.

في الوقت نفسه، تحدّثت الأوساط عن تسابق ظاهر لكلّ من السعودية وإيران لقطف نجاح الجيش وانتصاره على الإرهاب، واستثماره مستقبلاً في الداخل اللبناني قدر المستطاع. فبعد زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين جابري الأنصاري ولقائه المسؤولين اللبنانيين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، زار بيروت وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، فالتقى الأحزاب اللبنانية لا سيما حزب الكتائب اللبنانية المعارض، واستثنى الرئيسين عون وبرّي من لقاءاته. وهذا التسابق أظهر قرب إيران من الدولة، وتمسّك السعودية بالمعارضة داخلها، علماً أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري يقف دائماً الى جانبها، ويمثّلها بشكل قوي في لبنان.

فالأنصاري جاء ليحيي جهود المقاومة، فيما شدّد السبهان خلال زيارته للبنان على أنّ «جهود الجيش اللبناني تثبت أن المؤسسات الشرعية هي وحدها التي تحمي الدول»، ما يجعل موقف الموفدين متناقضين. وكان السبهان زار بيروت في شباط الماضي على أنّه موفد ملكي جاء إثر القمة اللبنانية- السعودية التي شهدتها الرياض مطلع العام الجاري. ووُصفت مهمّته بوضع أولى الأسس العملية لترجمة التفاهمات التي شهدتها القمة والبحث في ترجمتها على كل المستويات السياسية والمالية والعسكرية بما فيها تلك المتصلة بالوعود السعودية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني وإحياء الحضور السعودي في لبنان على مستوى السفير.

واليوم يتحدّث البعض عن تفعيل الهبة السعودية مجدّداً ما دام الجيش يقوم بمهامه على أكمل وجه، إلاّ أنّ الأوساط نفسها تخشى أن تكون مشروطة ببحث الاستراتيجية الدفاعية للبنان وتجريد «حزب الله» من سلاحه، أو اندماج عناصره في صفوف الجيش اللبناني لكي يُصبح التزامه العسكري لوطنه وليس لأي بلد آخر خارجي. فيما الهبة الإيرانية التي تحدّث موفدون إيرانيون سابقون عن أنّها «تنتظر في المخازن» قرار الحكومة اللبنانية فلم يتمّ التداول بها لا داخل الحكومة ولا في اللقاءات مع المسؤولين، كون إيران تعرف موقف الحكومة اللبنانية منها سلفاً، وتخشى من أن تكون «مشروطة».

في المقابل، وجدت الاوساط في التسابق الإيراني والسعودي على ثتبيت القدم مجدّداً في لبنان، أنّه لا يتعدّى كونه مجرّد محاولات لقطف ثمار انتصار الجيش من جهة، والمقاومة من جهة ثانية، فيما الواقع أنّ البلدين يتقاربان في المرحلة الراهنة، والدليل توافد عدد كبير من الحجّاج الإيرانيين الى مكّة المكرمة لأداء مناسك الحجّ والعمرة بعد أن تخلّفوا عنها في العام الماضي، على أثر حادثة منى الشهيرة (في العام 2015) التي أطاحت بعدد كبير من الإيرانيين وأبرزهم سفير إيران لدى لبنان آنذاك غضنفر ركن آبادي.

فالتسوية السعودية – الإيرانية من شأنها تهدئة الأمور في لبنان لا سيما بعد انتصار الجيش في معركة «فجر الجرود»، و«حزب الله» في معركة «إن عدتم عدنا»، وعلى هذا الأساس فلا خشية من زيارات الموفدين الى لبنان، أيّاً كانت أهدافهم المعلنة وغير المعلنة. كذلك فإنّ كلّ من يدعم الجيش بالمساعدات العسكرية يحقّ له الفرح مع لبنان واللبنانيين بالإنتصار الذي يُحقّقه جيشه الباسل معركة تلو الأخرى. لكن ليس على أحد أن يُسجّل الإنتصار باسمه لأنّه ليس سوى من حقّ الجيش والشعب والحكومة والمقاومة دون سواهم.

وأكّدت الاوساط على أنّه لا أحد سوف يحكم لبنان مستقبلاً، لا السعودية ولا إيران، بل حكومته الوطنية، وجيشه الشرعي، كما أنّ مقاومته سوف تستمر بالدفاع عنه الى حين تحرير آخر شبر من الأراضي اللبنانية المحتلّة، أكان في الجنوب من إسرائيل، أو في الشمال والشرق من قبل الإرهابيين.