اجتماع حكومة الرئيس تمام سلام لغز محيّر. ليس في يدها حيلة. لا تسقط لأن احداً لا يريد الخروج منها، ولأن احداً لا يملك آلية تأليف حكومة جديدة في ظل الشغور الرئاسي، ولأنها لن تعطى اتخاذ قرارات متى عزمت على الالتئام
اصبحت كل دعوة محتملة الى انعقاد مجلس الوزراء مساوية بجدواها لعدم انعقاده. ذلك ما بات يعنيه موقف تكتل التغيير والاصلاح ــــ وليس التيار الوطني فحسب ــــ وحزب الله من طريقة التعامل مع حكومة الرئيس تمام سلام. بل ما يبدو جلياً تماماً في ما يتوخاه الرئيس ميشال عون، تأكيد امتلاكه فيتو مسيحياً جدياً ليس أقل اهمية من اي من الفيتوين السني والشيعي بازاء ادارة المؤسسات الدستورية وسبل تقييد عملها. يعرف انه يدين بهذا الفيتو النافذ لحليفه حزب الله مقدار ما يشعر الحزب بدوره انه يظل دائماً في حاجة الى حليف صلب على صورة عون، وان أنهكه في الغالب تطلّب الرجل وطموحاته التي لا تحدها سقوف ولا تهبط الى اي قعر.
مغزى فيتو عون، مقدار ما يحاول صاحبه اكسابه قوة الفيتو المسيحي للمرة الاولى منذ عقدين ونصف عقد من الزمن، يتركز في رأي محيطين وثيقي الصلة به على بضعة استنتاجات:
1 ــــ من الوهم الاعتقاد بأن رئيس تكتل التغيير والاصلاح لا يزال يخوض اليوم، بالحاح مماثل لسنة خلت، معركة رئاسة الجمهورية ووصوله هو اليها. لم يعد يتوقعها وشيكة، ويوحي بأنه أدار ظهره لها.
تعزّز حجته، الى اسباب شتى، ما سمعه من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في اجتماعهما الاخير في نيسان الفائت، من ان الهوة اتسعت كثيرا بين الحزب والسعودية، ما يجعل تبعا لتدهور العلاقة بين الطرفين وتقدّم الملفات الاقليمية على ما عداها، ناهيك بوجودهما فريقين اساسيين في نزاعات معظمها كسوريا واليمن والبحرين، الخوض في الاستحقاق الرئاسي ضربا من الوهم. كذلك الامر حيال احتمال التوصل الى اي تفاهم عليه. تاليا يجدر ان لا تستحق المرحلة المقبلة اهدار الجهد والانخراط في اشتباكات سياسية بازاء انتخابات رئاسية لن تحصل، وقد يمر وقت طويل اضافي مماثل عليها.
2 ــــ لا يقل يقين عون من تعذر انتخاب الرئيس عن شكوكه في أن معظم الافرقاء، واخصهم الذين يجهرون علنا بتأييد تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش لا سيما منهم المقيمين في قوى 14 آذار، جادون في دعم هذا الهدف. بل يكاد يكون مقتنعا بأن قائد فوج المغاوير ربما لن يصل الى هذا المنصب ما دام التصويب مستمرا على رفض كل ما يطالب عون. تختصر عبارة ينسبها اليه بعض المحيطين به فحوى رد فعله: لا يريدون مسيحياً قوياً رئيساً او قائداً للجيش. اول مَن يُدرجهم على رأس اللائحة تيار المستقبل.
3 ــــ اصبح حواره مع تيار المستقبل من الماضي، واوصدت اخيرا دونه الابواب بعدما تأكد من أن محاوره يهدر الوقت من غير ان يصدق معه في اي من التعهدات التي قطعها له. استنفد عون الحوار مع تيار المستقبل، وذهب به الى ابعد من الانتخابات الرئاسية، الى الخوض في ملفات الشراكة الوطنية، من غير ان يحصد سوى الخيبة.
نصرالله لعون: الهوة بيننا والسعودية اتسعت، ما يستبعد التفاهم على انتخابات رئاسية قريبة
بيد ان المفارقة تكمن في واقع غير محسوب: مقدار ما تراجع الحوار مع تيار المستقبل، تقدّم مع حزب القوات اللبنانية اشواطا توحي كأنها تسابق نفسها. بخطى مستعجلة يعوّل حوار الطرفين على طي صفحة الماضي وبدء تنسيق المواقف السياسية، بعد تبريد الشارع، على مستوى قواعدهما اولا بأول. تفاجئه احيانا خطوات رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ومبادراته في مسار الانتقال الى المرحلة الجديدة، رغم ان كلا من عون وجعجع لم يباشرا بعد ما يمكن عدّه، بالنسبة الى كل منهما على السواء، استحقاقات مصيرية كانتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم ترشيح عون وقانون جديد للانتخاب وتعيين قائد للجيش. التقيا على موقف مشترك لافت ومهم من شروط مجاراتهما انعقاد مجلس النواب وجدول اعماله.
في اوساط تيار عون مَن يقول ان استجابة جعجع الحوار مع ندّه بانفتاح مثير للاهتمام وتجاوز العراقيل بات اكثر من مقبول، بل مرحبا به.
4 ــــ لن يسمح عون في ظل حكومة سلام تكرار سابقة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2008 بالاستمرار في العمل بمَن حضر، سواء اعتكف الوزراء المتحفظون او انقطعوا او استقالوا. من دون وزراء تكتل التغيير والاصلاح مجتمعا وحزب الله لا قرارات تصدر عن الحكومة تحت وطأة اي ظرف، او ذريعة، او رد فعل. يحضر وزراء التكتل والحزب الجلسة التي يدعو اليها رئيس الحكومة ساعة يشاء، الا ان عليه ــــ كما على الافرقاء الباقين في المقلب الآخر من السلطة الاجرائية ــــ ان لا يتوقعوا خروجها بأي قرار ما لم يبدأوا بالبند الاول الذي يتمسك به عون: العودة عن قرار تأجيل تسريح المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، اول غيث الإنتقال الى البحث في التعيينات الأمنية والعسكرية الأخرى ولا سيما منها قائد جديد للجيش. وخلافا لحالات سابقة شهدتها حكومتا الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، اذ استخدم النصاب القانوني لتعطيل انعقاد مجلس الوزراء او منعه من اتخاذ قرارات، يقارب عون نصاب الثلث +1 والنصف +1 على أنهما شأن ثانوي: القلة ــــ لا العدد ــــ تصنع الفعل هذه المرة.
في يده مفتاح اكثر اهمية من اعتكاف مرتبك او استقالة متهورة، هو الحضور والقبض على عنق الحكومة من الداخل. يحظى بغطاء غير محدود من حزب الله ــــ اذ لا يمانع هذه المرة في التعطيل ــــ ما يجعل العدد القليل ذا حمل ثقيل. على غرار الفيتو الشيعي الذي تعذّر معه طوال 11 شهرا تأليف حكومة سلام، والفيتو السني الذي يضع وصول عون الى الرئاسة رهن ارادة تيار المستقبل، ها هو فيتو الرجل يعطل صلاحيات رئيس مجلس الوزراء السني تماما.