تبدو الحكومة، عشية إطفاء الشمعة الأولى من عمرها في منتصف شباط المقبل، قد اختصرت هواجس الاستقالة والإقالة بانتخاب فخامة الرئيس العتيد الذي يزيحها عن الحكم ويوقف ممارستها صلاحيات فخامته.
فتوافق الحكومة حول اتخاذ قراراتها بالإجماع خصوصاً لجهة ما يتعلق منها بوكالتها عن رئيس الجمهورية يعني عملياً، وان كان في الشكل، انه أصبح في جمهوريتنا 24 رئيساً للجمهورية موزعين على الطوائف اللبنانية ومذاهبها في الوقت الذي ترتفع فيه المطالبة بانتخاب رئيس جمهورية واحد قوي!
ويتبين من مقاربة البعد الدستوري لمثل هذا القرار الذي تتعذر معه إمكانية المراهنة على استقالة وزراء وبالتالي اعتبار الحكومة مستقيلة عملاً بالمادة 69 ـ دستور انه قرار «خارق حارق» للنصوص الدستورية ومفاهيمها. فإذا كان الوزير لا يستطيع تعطيل قرار أو مرسوم لمجلس الوزراء منفرداً فكيف يمكن له ان يعطّل صلاحية من الصلاحيات المنوطة برئيس الجمهورية والموكلة لهذا المجلس؟! ويظهر ما هو أدهى من ذلك عندما يمارس مجلس الوزراء صلاحياته الأساسية فيتخذ قراراً استحال التوافق حوله وفق ما ورد في الفقرة الخامسة من المادة 65 بالأكثرية النسبية أو بالأكثرية الموصوفة كما جاء في المادة والفقرة كلتيهما، فأي قيمة لمثل هذا القرار وبالتالي للتصويت عليه بموجب الأحكام المتعلقة بصلاحيات هذا المجلس لأن الأقلية التي عارضته وان كانت فرداً صمداً قادرة على إبطاله عملاً بالتوافق على اتخاذ القرارات بالإجماع.
ويمكن القول ان الخرق الدستوري الناجم عن «التصويت بالإجماع» يتضاعف إذا كان القصد منه سريانه على صلاحية مجلس الوزراء المزدوجة: صلاحياته الأساسية والصلاحيات التي أوكلت إليه في آن معاً.
والتصويت بالإجماع في عمل المؤسسات الدستورية لا وجود له حتى إن حصل، فعندما تتخذ المؤسسة قراراً بالإجماع أو حتى شبه الإجماع، جرت العادة ان تشير إلى ذلك عند إعلان القرار أو في محاضرها وكأنه «عملة نادرة»؛ ففي محاضر جلسات مجلس النواب مثلاً الذي يمثل السلطة التشريعية عشرات القوانين أشير إلى ان التصويت عليها قد حظي بإجماع أو شبه إجماع، فلماذا استكثرت الحكومة على اللبنانيين التباهي بمثل «هذه العملة النادرة» التي تعطي القرار قوة تعبِّر في الوقت نفسه عن تفاهم الجميع حول قضية أو إجراء. فلماذا كان اللجوء إلى قرار التصويت بالإجماع؟
يبدو واضحاً ان القرار قد اتخذ للحؤول دون تفجير الحكومة من الداخل والمحافظة على كيانيتها في مرحلة دقيقة وخطيرة، فلا يدخل إليها ما يعصف في خارجها. وهذا لا يمكن تفسيره إلا بوجود نية صادقة ومسؤولة من حيث المبدأ، ولكن ألم يكن بالإمكان ذلك بما هو «أحسن مما كان» وبما يؤمن المحافظة على «ماء الوجه» تجاه ما هو قانوني؟
إن قرارات مجلس الوزراء تُتَّخذ وفق إجراءين إذا لم يحصل التوافق أولاً حولها: فإما بأكثرية نسبية أي أكثرية من نصاب الثلثين 3/2 المطلوب لتوافر نصاب الجلسة أي 16 وزيراً كما في الحكومة الحالية، وأما بأكثرية الثلثين في التصويت المطلوب للقرارات المهمة، وفي الحالين، لا يمكن ان تستأثر طائفة بالتحكم لا بنصاب الجلسة ولا في القرارات المتخذة باعتبار انها تشكل مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. ولكن لماذا إذَا أيَّد الوزراء من أي طائفة كانت بنداً مطروحاً على جدول الأعمال، وعارضه وزيرٌ واحدٌ منها يتعطل إصدار القرار؟! فلو كان قرارُ التصويت بالإجماع لا يتخذ بوجود طائفة أو حتى مذهب يعارضه، لكان من الممكن تفهم الأسباب الكامنة وراء صيغة الإجماع أما ان تكون معارضة وزير من طائفة لوزراء من طائفته أيضاً سبباً لمنع اتخاذ القرار، فإن هذا يشير إلى أن ما استند إليه مجلس الوزراء في صيغة تصويته تلك، لم يكن لدواعٍ طائفية. ولهذا يصبح على «صاحبة الفخامة» الحكومة السلامية ان تعيد للدستور قوته والتزامها بأحكامه، وتهدي، في بداية سنتها الجديدة، رعاياها، عند إطفاء الشمعة، لذة اكتشاف مكامن الوحدة في مجلس الوزراء من نتائج التصويت، لا من مفاعيل قرار والمصادر السياسية!
فهل نرفض تعيين الرؤساء بالفيتو ليكون عندنا رئيس؟!