Site icon IMLebanon

بوتين يواجه خطر الخيبة السوفياتية

 

تواجه العملية العسكرية الكبرى التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 24 شباط، أي قبل أسبوعين باستنفار أمني واسع وغير مسبوق في أوروبا والولايات المتحدة، حيث يتركز اهتمام القيادات السياسية والعسكرية على هدفين: الأول تقديم الدعم اللوجستي والعسكري لأوكرانيا من اجل زيادة قدراتها العسكرية لمواجهة عملية الغزو، وبالتالي منع بوتين من تحقيق اهدافه في اوكرانيا، تمهيداً لكي يفرض على الغرب عملية اعادة رسم الخريطة الأوروبية، لتقاسم النفوذ في أوروبا الوسطة والشرقية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. والثاني الحرص على عدم القيام بأية اعمال استفزازية في مواجهة العملية العسكرية الروسية، تؤدي إلى توسيع الحرب إلى خارج اوكرانيا، وبالتالي الدفع نحو نشوب حرب عالمية ثالثة. لقد نجح الطرفان الروسي والأطلسي في تفادي أية مغامرة تدفع نحو توسيع الحرب إلى خارج أوكرانيا حتى الآن.

 

بالعودة إلى الحرب الروسية على أوكرانيا يبدو جلياً بأن العملية الهجومية الكبرى قد فشلت في تحقيق اهدافها السياسية، في الوقت الذي نجحت فيه القوات الغازية باحتلال جيوب واسعة داخل اوكرانيا من الشمال اي المنطقة المحاذية لحدود بيلاروسيا، ومن الشرق اي المناطق المحاذية للحدود الروسية، ومن الجنوب انطلاقاً من شبه جزيرة القرم، وشواطئ البحر الأسود.

 

كان من الواضح منذ اليوم الاول لبدء العملية، بأن الهجوم الأساسي يتركز على محور كييف، وعلى اساس انها العاصمة وتتركز فيها القيادة السياسية والعسكرية الأوكرانية، وبأنه باحتلالها يمكن السيطرة على القرار السياسي والعسكري، وإجراء التغييرات السياسية المطلوبة لتحقيق مطالب روسيا، وأبرزها منع اوكرانيا من التوجه غرباً للانضمام للاتحاد الأوروبي ولحلف شمال الأطلسي، ونزع سلاح أوكرانيا، وبالتالي اقامة نظام اوكراني جديد تابع لموسكو، على غرار ما هو عليه الوضع في بيلاروسيا وكازاخستان.

 

في مراجعة عامة للقوى العسكرية التي يملكها الجانبان الروسي والأوكراني، فإنه يبدو جلياً بأن الجانب الروسي هو الأقوى برياً وجوياً وبحرياً، وبما يمكنه من العمل على فرض سيطرة شبه كاملة على ميدان المعركة. لكن لم تنجح القوات الروسية بتحقيق نتائج باهرة، بالرغم من نجاحها في دخول عدد من المدن الأوكرانية واحتلال مناطق واسعة من الأراضي المحاذية لروسيا وبيلاروسيا، في الوقت الذي بدت فيه العميلة متعثرة وتواجه صعوبات أساسية باتجاه العاصمة كييف، وهذا ما تؤشر إليه القوافل العسكرية المجمدة بعمق 60 كيلومتراً شمال كييف. ويؤشر هذا الأمر إلى فشل الخطة العسكرية الروسية الأساسية لافتقادها لعنصري المبادرة والمفاجأة، اللذين يشكلان العنصرين الأساسيين في استراتيجية الهجوم، وفق نظرية فيلسوف الحرب كارل فون كلوزويتنر في كتابه «عن الحرب».

 

يرى خبراء عسكريون غربيون بأن القيادات الروسية قد ارتكبت اخطاء استراتيجية وتكتية في قيادتها للمعركة، ويمكن تعداد بعضها على الشكل الآتي:

 

اولاً: سوء ادارة للوحدات الكبرى على الأرض، وخصوصاً لجهة تعاون الوحدات في المناورة واستعمال النيران من اجل حماية الدبابات وخفض مستوى الخسائر بين الجنود.

 

ثانياً: فشل الخطة اللوجستية لدعم القوى المهاجمة حيث لم تستطع قوافل التموين ايصال المحروقات والذخيرة وبقية اصناف التموين، في الوقت المناسب للقوات المهاجمة. ويبدو بأن القيادات الروسية على مستوى اركان الجيوش او على مستوى الفيالق القتالية قد تجاهلت اهمية المناورة اللوجستية، والتي لا يمكن توقع نجاح اية عملية هجومية في حال فشلها. يبقى الجزء الاهم في التخطيط العملاتي للهجوم متركزاً في الخطة اللوجستية. وفي هذا الأمر يمكن الاستنتاج بأن القيادات الروسية العليا قد نسيت او تجاهلت الدروس التي تعلمتها من الحرب العالمية الثانية، وبأنها لم تستفد من تجربتها في الحرب السورية على هذا الصعيد، حيث اقتصرت العمليات على الحرب الجوية لمساندة وحدات الجيش السوري والقوات الايرانية والميليشيات الموالية للنظام السوري.

 

ثالثاً: يرى الخبراء الغربيون المتخصصون في شؤون الجيش الروسي بأن القيادات العسكرية الروسية قد استخفت بقدرات وعزيمة الجيش الاوكراني وبإرادته على الصمود في وجه الهجوم الضخم ومن عدة محاور الذي شنته ضد اوكرانيا.

 

يبدو بأن الروس قد ارتكبوا اخطاء فادحة في ادارة عملية الغزو وقد ظهر ذلك جلياً في تفكك رعيل الهجوم على محور كييف، كما ادى إلى تدمير العديد من الدبابات، بالاضافة إلى منع القوات الجوية الروسية من إحكام سيطرتها الكاملة على سماء المعركة، بسبب فعالية وسائل الدفاع الجوي الأوكرانية. وكان اللافت ان ارتباك المناورة الهجومية الروسية في مواجهة الدفاعات الاوكرانية قد ظهر من الايام الأولى لبدء عملية الغزو. وكان اللافت والمفاجئ فشل القوات الجوية الروسية في تدمير مراكز القيادات الاساسية للجيش الاوكراني، وبالتالي شل عمليات الاتصال في ما بينها، وبالتالي منعها من تنسيق عمليات الدفاع والمقاومة على مختلف الجبهات، وخصوصاً على محور الهجوم الأساسي باتجاه العاصمة كييف.

 

في رأينا ما زالت روسيا تحتفظ بقدرات هجومية بقوى صاروخية ومدفعية متقدمة، وهي قادرة على استعمالها في الايام والاسابيع المقبلة، والتي تمكنها من تدمير جميع المدن المحاصرة، ومن ضمنها العاصمة كييف. فالجيش الروسي ما زال يمتلك قدرات قتالية قادرة على سحق الجيش الاوكراني بصورة تدريجية، وبالتالي بما يسمح للقيادات الأوكرانية لتغيير استراتيجيتها في الحرب والانتقال من عمليات الدفاع عن المدن والمناطق الحيوية إلى عمليات المقاومة,أو حرب العصابات. ويمكن للمقاومة الاوكرانية الاستفادة في حربها ضد الوجود الروسي من المساحة الواسعة لأراضيها، كما ان علاقاتها مع الدول الأوروبية المجاورة، والدعم بالمال والسلاح الذي تؤمنه دول حلف الأطلسي سيمكنها من الاستمرار في هذه الحرب لسنوات عديدة، مع كل ما يمكن ان يتسبب به ذلك من خسائر وإرهاق مادي ومعنوي للقوات الروسية، وبما يسمح بإمكانية تصور هزيمة القوات الروسية، على غرار ما حدث مع القوات السوفياتية في افغانستان خلال الفترة الممتدة من عام 1979 إلى عام 1989.

 

يبدو بأن الغرب يتوقع منذ الآن غرق الجيش الروسي في وحول الحرب الاوكرانية لسنوات طويلة مقبلة، وهذا ما دفع وزير خارجية الولايات المتحدة انطوني بلينكن إلى القول:«يمكن لروسيا ان تربح معركة عسكرية في اوكرانيا، ولكنها لن تكون قادرة على كسب الحرب».

 

في النهاية لن تقتصر نتتائج المغامرة الروسية في اوكرانيا على بُعدها العسكري، بل ستتمثل التداعيات الاخطر للحرب بنتائج العقوبات الاقتصادية والمالية التي اطلقتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد روسيا، والتي زادت حتى الآن عن 5300 عقوبة، لكن يبقى الخطر الأكبر الذي يمكن ان تواجهه روسيا متمثلاً بقرار الغرب في منع روسيا من بيع نفطها وغازها، والذي سيؤدي إلى تجفيف مختلف قنوات ضخ النقد النادر للاقتصاد الريعي الروسي، وقد شاهدنا نتائج المخاوف من امكانية حدوث ذلك من خلال تراجع قيمة الروبل الروسي بشكل دراماتيكي تجاه العملات الغربية في خلال فترة الحرب.

 

تشكل هذه الحرب محاولة يائسة من بوتين لاستعادة بعض نفوذ وأمجاد الاتحاد السوفياتي من خلال فرض سيطرته على اوكرانيا بقوة السلاح، وذلك على غرار ما فعلته الجيوش السوفياتية في كسر ارادة الشعوب من خلال احتلالها للمجر وتشيكوسلوفاكيا، ولكن من المقدر ان يفشل بوتين في مهمته كما فشل اسلافه من قبله.