يُؤمَل ألّا يكون لموقف لبنان ضد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إزاء أوكرانيا تداعيات في السياسة، ما يدعو إلى التساؤل هل أن لبنان «محشور» إلى درجة عدم القدرة على التريث بعض الوقت قبل أن يُسابق في ماراتون إدانة الاجتياح الروسي!
في أي حال، إن العالم بعد التطورات على الحدود الروسية – الأوكرانية لن يكون كما قبلها، فانشطار العالم، مجدداً، إلى معسكرَين متنازعَين سيولّد حالاً قصوى من التوتر في ضوء ما بلغته روسيا من حضور عالمي، وتصاعد في النفوذ، منذ أن أسلس إليها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما القيادة في سوريا بوضع مصير «الكيميائي» السوري في عهدتها بإشرافها على كيفية التخلص منه. يومها وجدت واشنطن ذاتها محرَجةً وهي التي ملأت البحر الأبيض المتوسط بالأساطيل، وقواعدها في المنطقة بالجيوش والطائرات المقاتلة، ووصلت إلى تحديد موعد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد… ثم تراخى ذلك الحبل المشدود إلى التسوية مع موسكو حول السلاح الكيميائي!
وصدف أن كان بوتين يتلمّس طريقه بحذر للإطلالة العالمية الكبرى والمباشرة التي افتقدها الكرملين منذ انهيار الاتحاد السوفياتي… فثبّت وجوده في «المياه الدافئة»، في شرق البحر المتوسط محقّقاً حلماً روسياً مزمناً منذ ما قبل بطرس الأكبر، فتلقف «القيصر» الروسي الجديد المبادرة الأميركية وأجاد استغلالها، وتحوّل منذ ذلك الحين إلى اللاعب الأول في سوريا، ثم الرقم الصعب في القرارات الدولية، والمصرّ على أن يكون صاحب القرار الأوحد في منطقة القرم.
ولقد مهّد بوتين لتنفيذ قراره في أوكرانيا بالبيان المشترك الذي أصدره مع نظيره الصيني شي جينبينغ يوم افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية، قبل أيام، الذي تحفّظا فيه عن الديموقراطيات الغربية، وانتقدا انحياز منظمة الأمم المتحدة، وعارضا بشدة تمدد حضور الحلف الأطلسي إلى الدول المحاذية لروسيا، وبالتحديد رفضهما انضمام أوكرانيا إلى الناتو (…).
وفي المعلومات أن الرئيس الروسي أبلغ إلى الرئيس الصيني قراره العسكري بشأن أوكرانيا ونال الموافقة.
طبعاً، هذا التطور البارز يقتضي مجالًا رحباً لتناوله من جوانبه الستراتيجية والاقتصادية والمالية وأسواق الحبوب والعملات وأيضاً الطاقة (وما يطاولنا في لبنان، مباشرة أو مداورة، من تلك التداعيات)، إلّا أننا نرى أن العالم بعد هذا التطور لن يعود كما كان قبله، والحرب الباردة، في هذه النسخة الجديدة، ستكون حارّةً تلفح بلداناً وقياداتٍ، مفتوحةً على معادلات جديدة ودقيقة وخطرة… ويستعيد سوق الجواسيس انتعاشه!