Site icon IMLebanon

فلاديمير بوتين على خطى شمشون

 

 

إن أثبتت الحرب الرّوسيّة ـ الأوكرانيّة شيئاً لنا كلبنانيّين فهي قد أثبتت وبما لم يعد يقبل الشكّ أنّنا شعب مقسومٌ، وأنّ أي مظهر لوحدته أو جمعه أو اجتماعه هو مظهر مخادع متوهّم، ونظرة إلى الأيّام الثلاثة الماضية كافية لتكريس هذه القسمة التي تزداد عمقاً والشّرخ الذي يزداد غوراً، كما تؤكّد حتّى أنّنا مرضى وهم يزيد الشخصيّة اللبنانيّة اهتزازاً واضطراباً وانحداراً أخلاقياً وإنسانيّاً غير مسبوق نحتاج معه إلى إعادة تقييم حال الاجتماع اللبناني المريض!

 

هنا فريق مع روسيا بمن فيه من كتّاب ومعلّمين وشعراء وصحافيّين يساريّين أو شيوعيّين أو عروبيّين لم يتردّد بعضهم في إعلان الشماتة ـ مستخدماً الكلمة بحرفيّتها ـ بذوي الشّعر الأشقر والبشرة البيضاء والعيون الزرقاء إذ أصبحوا لاجئين، وبأنّه حان الوقت ليذوق هؤلاء ما سبق وذاقته شعوب عربيّة متباهين بالدّعاء “اللهمَّ لا شماتة”، ويلحق هؤلاء بفريق يدّعي أنّه من أصدقاء الرّئيس بوتين، بدون شكّ هؤلاء سقطوا على أعتابِ الإنسانيّة واحترام الذّات والخروج من كلّ نظام سلوكي بديهي متعارف عليه، وفريق آخر فيه الكثير من نفس عيّنات الفريق الأوّل وهو مع أوكرانيا يغلبُ عليه السخرية من فرقاء لبنانيّين وإجراء المناظرات بين رئيس أوكرانيا ورئيسيْن آخريْن، هذه الحرب فضحتنا أخلاقيّاً وإنسانيّاً وعقليّاً حتّى!

 

من المؤسف أن ينخرط اللبنانيّون في تعرية أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الصورة الشّائنة، فالحروب تكشف الإنسان وصورته الحقيقيّة، “يا جماعة” صورتنا مخزية إلى حدّ بعيد، وأسوأ ما فعله كثيرون منّا هو انغماسهم في حالة تماهي بين لبنان وأوكرانيا شاء فيها تصديق أكذوبة أن أوكرانيا هي لبنان الضعيف الصغير وروسيا هي المحتلّ السّوري، “زغر العقل” اللبناني بلغ هذا الحدّ في حرب تدفع فيها أوكرانيا ثمن تصديقها للوعود الأميركية والأوروبيّة وتعطيل اتفاقياتها مع روسيا حتى اكتشف الرئيس الأوكراني أنّهم تركوه وحيداً يخوض حرباً أكبر كثيراً من حجمه، كان الأجدى أن يقرأ اللبنانيّون في الحال الأوكراني نفس الحال اللبناني الذي أوصله إليه الأميركيّون من أوباما إلى بايدن ومعهم الأوروبيّون وآخرهم ماكرون الذي يصدّق أنّ باستطاعته تعبئة الفراغ الأميركي في المنطقة، وأخوف ما نخافه هذه الأيام أن تسلّمنا أميركا لإيران من تحت الطاولة أو من فوقها في ليالي ڤيينا، فيما اللبنانيّون منشغلون بمتابعة تفاصيل الحرب الأوكرانيّة ـ الرّوسيّة كأنّها واحدة من مباريات الفرق المحليّة التي تقسم البلد والشعب!

 

يتجاهل اللبنانيّون أنّ لبنان ليس أوكرانيا ولن تتسابق دول أوروبا وأميركا لمعاقبة إيران مثلاً بمثل العقوبات التي فرضتها على روسيا، ولو في الحدود الدّنيا من هذه العقوبات، حمى الله هذا العالم الكئيب من هذه الحرب مع دخول النووي حيّز الاستعداد والجهوزيّة، فالعقوبات على روسيا تبلغ حدّ الحرب الكبرى ورئيس مثل فلاديمير بوتين ودولة من طراز كانت فيه اتحاد سوڤياتي أقرب إلى أخذ العالم إلى حرب عالميّة على طريقة شمشون وهدّه المعبد على رؤوس الجميع!