Site icon IMLebanon

عن فلاديمير بوتين.. «اللبناني»!

لم يكن ينقص لبنان سوى أن يكتشف «الممانعون» فيه خاصية جديدة في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن يحولوه بسببها الى ما يشبه «ايقونة» يركعون أمامها في صلواتهم، ويرفعوا صوره في تظاهراتهم، أملاً منهم في أن يشكل دعامة باتوا يحتاجون اليها بعد سنوات من الصراخ من دون توقف «مقاومة وممانعة». هذه الخاصية أن بوتين هذا «مقاوم وممانع» بدوره، لمجرد أنه أرسل مقاتلاته ودباباته وصواريخه البعيدة المدى الى طرطوس واللاذقية لمحاولة «انقاذ» حليفه رئيس النظام السوري بشار الأسد من السقوط… وبالتالي «انقاذ» حلفاء الحليف، ومعهم استطراداً حلفاء الحلفاء، في لبنان.

هكذا لا يعود مهماً لديهم، أو حتى يخطر في بالهم، أن يكون بوتين يقيم من اللاذقية نفسها «شبكة اتصالات» (البعض يقول تدريبات عسكرية أيضاً) مع العدو الإسرائيلي، في الوقت الذي يشن فيه جيش هذا العدو حملة لا تقل عن كونها حملة تصفية واسعة للشعب الفلسطيني. ولا يعود ذا معنى بدوره، أن يكون «المقاوم» الروسي قد عمد الى تنسيق خطوته السورية هذه، حتى قبل أن تبدأ، مع صديقه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

ذلك أن المسألة برمتها هي أن يبقى الأسد حاكماً لسوريا، وأن يبقى تاليا «محور المقاومة والممانعة» على ما هو عليه بين دمشق وطهران، مروراً طبعاً ببيروت وبغداد وصنعاء، حتى وان كان الثمن ابادة الشعب السوري كله، أو نزوحه الى بلاد الله الواسعة، أو غرقه في أثناء عملية النزوح في البحر.

لكنها في لبنان تحديداً، تتجاوز المسألة ذلك الى ما يعرفه القاصي والداني من اللبنانيين. هي هنا الإبقاء على الشغور في موقع رئاسة الجمهورية الى أن يتم انتخاب رئيس يكون «خيار المقاومة» أولى أولوياته، كما قال أكثر من نائب من كتلة «حزب الله»، وشل مجلسي النواب والوزراء الى أن يوافق أعضاؤهما سلفاً على كل ما يطالب به «التيار الوطني الحر»، وحاميه «حزب الله»، في ما يتعلق بآلية عمله من ناحية وما يتصل بالنقاط التي يتضمنها جدول جلساته من ناحية أخرى… من دون تجاهل ما كان من كوميديا الترقيات لضباط الجيش وما تخللها من شد وجذب وصعود وهبوط، لمجرد أن التيار وحاميه يحلمان بدور معين يقوم به ضابط معين في فترة ما في المستقبل.

وفي سياق ذلك، ليس من شيء يدعو الحليفين «الممانعين» إقليمياً واستراتيجياً لايلاء مشكلات لبنان الأخرى، بما فيها تلك التي باتت شبه مستعصية مثل العجز المالي الكبير والركود الاقتصادي والنفايات ونقص التيار الكهربائي والبطالة، أي اهتمام.

المسألة الآن، هي أن فلاديمير بوتين «اللبناني» جاء بطائراته الحربية ودباباته وحتى بصواريخه العابرة للقارات الى سوريا، وأن نظام الأسد اذا لم يعد مهدداً بالسقوط كما كان قبل هذه الخطوة الروسية، وان لبنان «المقاوم والممانع» بالتالي سيبقى على حاله من دون أن يبدو في أفقه أي تغيير أو تبديل!!.

هل هذا فقط؟ طبعاً لا، بدليل أن من جاء بـ«القيصر»، كما يسميه «الممانعون»، الى طرطوس واللاذقية لإنقاذه من السقوط(بشار الأسد)، أجرى اتصالاً هاتفياً من مخبأه في دمشق بأحد الحلفاء(في الواقع، حليف الحلفاء) في منطقة ما من لبنان، ليطالبه بالصمود على موقفه مهما كانت الصعوبات. لماذا، والى متى؟ لأن «أحداثاً مهمة وإيجابية جداً« ستشهدها سوريا قبل نهاية العام الجاري، على خلفية التدخل الذي بدأه «القيصر» الروسي في طرطوس واللاذقية قبل ذلك بساعات.

بل وأكثر، لأن احدى صحف «الممانعة» كانت قد بدأت الترويج لهجوم عسكري شامل، وعلى الجبهات كلها، تستعد له قوات الأسد والميليشيات الحليفة لها من ايران ولبنان والعراق، بهدف استعادة المبادرة على الأرض وطرد المعارضين من كل المناطق التي سيطروا عليها خلال الفترة الماضية. وأيضاً، لأن صحيفة «ممانعة» أخرى تبرعت بنشر سيناريو متخيل عن «انذار شديد اللهجة» وجهته القوات الروسية المتواجدة في اللاذقية الى احدى الطائرات الحربية الإسرائيلية التي اقتربت من الأجواء السورية المحاذية لأجواء منطقة عكار اللبنانية، كانت نتيجته عودة المقاتلات الإسرائيلية أدراجها، والتعهد بعدم الاقتراب مرة أخرى من تلك الأجواء.

تلك هي الحكاية في لبنان الآن، حكاية «المقاومين والممانعين» من ناحية، وحكاية من لف لفهم من الذين لا يزالون مأخوذين بالشعارات من ناحية ثانية. ومن شأنهما معاً، كما يبدو أقله من تهديدات الممانعين ومواقفهم، أن يبقيا لبنان في الثلاجة لفترة أخرى لا يعرف أحد متى تنتهي.

… ولكن هذه المرة، كما كانت الحال في أثناء المفاوضات المديدة بين الدول الست الكبرى وايران حول ملف الثانية النووي، بانتظار مآل الحرب التي يخوضها حالياً فلاديمير بوتين «اللبناني» في سوريا ومع دول العالم الأخرى، واذا معرفة ما ستكون عليه حال نظام الأسد بعد هذه الحرب.