لو كان صحيحاً في عيد الميلاد، التمني بشيء للسنة القادمة، لكان التمني الأساسي أن يكون خبر غياب «السفير» خبراً مدسوساً أو وهماً لن يتحقق. ولكن للأسف هذه التمنيات هي في أغلب الأحيان لعبة سعادة مؤقتة خصوصاً لدى فقراء العالم، الذين ينتظرون زيارة «بابا نويل» أو «ليلة القدر» لعلها تحمل لهم السعادة وتلبي أمنياتهم.
يبدو أن القرار الإجباري قد أخذ، ولذلك أول ما ستحمله السنة الجديدة هو الفراغ الحزين، بغياب من كان يملأ الفضاء الديموقراطي الوطني إعلاماً شبيهاً. حزن يصاحبه القلق على مصير عشرات الاعلاميين والموظفين، الذين تحملوا مع صحيفتهم، معنى أن تكون ديموقراطياً وعلمانياً وعروبياً تقدمياً في زمن نظام الطوائف والفساد والمحاصصة. زمن الهجمة الأميركية ـ الصهيونية التي لم تسلم منها «السفير» منذ نشأتها حتى اليوم.
لم يصل إلى «السفير» ربما، ما وصل إلى غيرها من مال خليجي أو «ممانع»، وبرغم ذلك، بقيت صامدة في موقفها والأمر يتخطى موقف رئيس تحريرها ليطال كل إعلامي وموظف عامل فيها. فالطرفان يحتاجان إلى أحداث مرددة للمواقف وليس إلى منبر متنوع، في موقعه الوطني والتقدمي والمقاوم.
سيسكت صوت فلسطين. صوت الشباب، وسيصبح صوت الذين لا صوت لهم خارج الميدان والمهم اليوم هو إعطاء أولوية لضمان حقوق الموظفين، لأن هؤلاء بانتمائهم وبما تمرسوا به داخل «السفير»، سيعيدون «السفير» ولو مبعثرة إلى كل مجال سيعملون به ومؤسسة سيتابعون حياتهم من خلالها.
ستغيب «السفير» والمنطقة في أوج مخاضها. استطاعت الدولة السورية وحلفاؤها تحرير «حلب» أو على الأصح تحرير ركام «شرق حلب» الذي حوّله الإرهاب، مخزناً لحقده وتآمره، وفي كل مجالات التقييم كانت النتائج مفاجئة للمشروع الأميركي وحلفائه الأوروبيين والخليجيين الذين أدى تصلّبهم وبيعهم طواحين الهواء لما يسمى «المعارضة المسلحة» إلى إطالة أزمة أهل حلب ومصاعبهم وجوعهم (من الداخل بمعظم الأحيان).
هل هذا يعني أن المعركة انتهت وأن سوريا ذاهبة إلى القيامة سريعاً؟
بالطبع لا، لأننا أكّدنا ونؤكد اليوم وأكّدت «غزوة تدمر» الجديدة بالرعاية الأميركية الواضحة، أن الحل لا يمكن أن يكون عسكرياً وأن المشروع المعادي يريد إطالة المعركة أطول فترة ممكنة.
ما يمكن التأكيد عليه أن «معركة» حلب وضعت الدولة وحلفاءها في موقع أفضل، وهي أمام خيارين:
الأول، هو الاعتقاد بإمكان الحسم العسكري، وهذا خيار خاطئ لأنها ستضع سوريا أمام حرب مستدامة، يواجه فيها محور الدولة وإن في موقع أقوى مؤقتاً، الأميركي والأوروبي بإدارة جديدة، هي في النهاية محكومة بمصالح تجار الحرب والموت في بلادها وبالتالي همّها الرئيسي حل أزمتها الاقتصادية ولو على حساب دماء الشعوب الفقيرة وأشلائها.
الثاني، هو الارتكاز على هذه الهزيمة التي تلقتها القوى الإرهابية ومن يدعمها، لتأخذ الدولة السورية المبادرة للدعوة إلى صياغة حل سياسي داخلي مع المعارضة الوطنية الديموقراطية الموجودة داخل سوريا وخارجها وهي أكدت موقفها الوطني ولم تتلوث بإراقة دماء أبناء الشعب والجيش في سوريا. حل سياسي ينطلق من سوريا ولسوريا.
نعم، تغيب «السفير» وشعارها الأساس، فلسطين، غارقة في دجى التآمر الخارجي والعجز الداخلي من السلطة في بلدية الضفة ومن معارضتها السعيدة في سنجق غزة، والخارج العربي والدولي غارق بهموم أخرى ويهرول باتجاه التطبيع مع العدو الصهيوني على حساب الدم الفلسطيني.
وكذلك الوضع في لبنان، حيث انتهت «مناوشات» تشكيل الحكومة بعد سنوات من الفراغ، إلى تشكيل «اللعبة» العاجزة عن القيام بأي دور. حتى قانون الانتخاب الذي يفترض أن يكون أولويتها المطلقة موجود خارجها ويجري البحث فيه خارجها. وهي بالتالي نتيجة تكوينها الهجين، لا يمكنها الحركة لأن الأمر سيأتي من «عقول متناقضة» فتأتي حركة الأطراف والأعضاء خبط عشواء لتستمر معها أبواب الفساد والهدر مفتوحة على مصراعيها ولتأتي ساعة الانتخابات النيابية والخيار محصور بين الستين أو توأمه وبين التمديد.
في المقابل، فإن قوى اليسار والديموقراطية اكتفت بحركة يتيمة وضعيفة لتنزوي في ثياب شعبويتها وغياب خطتها للتحرك من أجل فرض قانون للانتخابات على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي وعلى أساس لبنان دائرة واحدة. وربما ستنزوي اليوم، لأخذ موقف يكون قد وضعها أمام الأمر الواقع، فتعيد خلط أوراق موقفها وتضعف التزامها أمام نفسها وأمام شعبها.
كل الشكر لموظفي ومحرري «السفير» وعمّالها، لطلال سلمان ولـ«السفير» لما قدّموه لي ولكل تقدّمي وديموقراطي لبناني وعربي من مجال للتعبير عن الرأي.
(&) الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني