لا علاقة لعنوان الهامش بالصوت الانتخابي، إلا أنّ في الأمر وجه تشابه بين صوت الانسان وبين صوته الانتخابي.. هذه، نصف عودة إلى الهامش.. أو مقدّمة عودة، إذ أعود رسمياً غداً السبت بقلمي، في انتظار عودة صوتي إليّ، وسط هذه العصفوريّة المسمّاة انتخابات بلديّة، بالرّغم من أنّ الجميع يرفع ا?نماء شعاراً، إلا أنّ الغالبية تخوض انتخابات سياسية و»كيدية» أيضاً!!
الحسنة الوحيدة ـ ربّـما ـ لهذه الانتخابات هي أنّها فضحت التحالفات التي تفرضها المصلحة الآنيّة لكثير من الأحزاب السياسية، فعندما يتحالف «القاتل» مع «القتيل» والخائن» مع الذي خانه، وعندما يتحالف «العميل» مع «الشريف»، ماذا نستطيع أن نقول أمام هكذا تحالفات تجعلنا نتذكّر تلك الجملة الشهيرة من مسرحية «فيلم أميركي طويل» التي يقولها المجنون التقدمي «رشيد» (زياد الرحباني) ـ وتجد أنها برغم كونها من ثمانينات القرن الماضي فما زالت تنطبق على الحال السياسي اللبناني ـ «يعني نحنا والرجعيّة بنفس الخندق»!!
ا?نتخابات البلديّة هذه المرة ليست فقط معارك أحجام.. بل معارك تحجيم أيضاً، وأنّ الكلّ يكذب على الكلّ في هذه اللعبة وإن بدرجات متفاوتة، وليس أسوأ من هذه العصفوريّة سوى سكّانها، وهو «الشّعب» المنخرط في هذه اللعبة مصدّقاً أنّه ينتخب فيما الحقيقة غير ذلك بالتأكيد، يظنّ الشّعب أنّه «لاعب» وعلى وجه الحقيقة هو «ملعوبٌ فيه وعليه»… ويكفي هذا القدر اليوم من واقع المشهد اللبناني المضجر الذي سيبحث عن «لَهْوَةٍ» جديدة بدءاً من الأسبوع المقبل، وهي ستكون في الغالب من عيار فضائح الفساد الذي يطمرنا ليملأ بها هذا الفراغ الوطنيّ الهائل والخواء السياسيّ الذي يطوقّنا من كل الاتجاهات..
واليوم ومع هذه النصف أو مقدّة العودة، لا بد لي من القول وبشكل شخصي:
»في لحظات التسليم لقضاء الله تعالى، يدرك ا?نسان كم هو كائن واهٍ وعاجز.. وفي لحظة ا?ستسلام لأيْدٍ كثيرة، يُدرك ا?نسان أنّه في لحظة ما سينتهي به الحال جسداً ملقى بلا حراك، وأنّه سيعود من محاولة «تجلّيه» – وهو الشديد الضعف – بصفة «الجبّار» على كائن ضعيف وربما يكون أشدّ منه ضعفاً، وهي صفة الله العزيز الجبار ذي الجلال وا?كرام، سيعود ليعرف مجدداً حقيقة أنّه ليس أكثر من نَفَسٍ.. نَفَسٍ قد يدخل ولا يخرج أو العكس.. هو وقتٌ مَرّ، وقد أتاح لي فرصة التأمل في واقعنا ا?نساني الباهت ومراجعة أمور كثيرة واستعراض والوصول إلى شبه خلاصة…
اليوم، أتخلص من أثار نُدَبٍ جسدية للجراحات المتطورة، لكن ستبقى محنتي في تحيّن موعد استعادتي لصوتي إن شاء الله، ولا أعرف إن كان سيعود متغيراً أم كما أعرفه.. كم هي مفارقة أن يشعر ا?نسان بأنه غير قادر على استعادة هوية صوته في أذنيْه…
في الحديث النبويّ «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» [رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن حبان والطيالسي عن أبي هريرة مرفوعاً]، أو كما قال الشاعر: «فلو كان يستغني عن الشكر ماجد/ لِعزّة مُلْكٍ أو عُلُوِّ مكان/ لما نَدَبَ اللهُ العِبادَ لِشُكْرِهِ/ فقالَ اشْكُروني أيُّها الثَّقَلانِ»… من هذا التوجه والقناعة والإيمان، أتوجّه بالشكر للذين أحاطوني في أيام الغياب هذه، خصوصاً الذين لن ترد أسماؤهم هنا فلهم جزيل الشكر والامتنان الكبير، واسمحوا لي أن أتوجّه بالشكر أولاً لأخي وزميلي النقيب الأستاذ عوني الكعكي على احتضانه الدائم لي في صحّتي ومرضي، وأن أشكر الأخ العزيز علاء الخواجة على وقفاته إلى جانبي في مناسبات كثيرة، وأن أتوجه بالشكر الكبير لمدير مركز كليمنصو الطبي CMC العزيز الدكتور مؤنس قلعاوي والفريق الطبي والتمريضي على العناية التي لقيتها، والحمد لله الذي بلّغنا هذه المرتبة الاستشفائيّة في المنطقة العربيّة بهذا المركز الطبي وإداراته المتفوّقة، وأريد أن أخص بالشكر الصديق الشاعر والفنان والخطاط الدكتور وليد حنيني على مرافقته ورعايته الدائمة لي طوال أيام ثقيلة مرّت، وأخصّ بالشكر مجموعة الجرّاحين والأطبّاء الذين كانوا إلى جانبي في غرفة العمليات، في اللحظات التي كنت فيها بين يدي رحمة الله، وهم الجراحون الدكتور عاصم الحاج، الدكتور وائل قبلان، الدكتور عمار غزالي، وأطباء التخدير، الدكاترة وائل شعبان، عمر الجزّار، والدكتورة رلى حمود… وأختم بشكر موصول للدكتور رامي والي فإشرافه على حال التنفس ووضع الرئتين ونسبة الأوكسيجين بالدّم قبل وأثناء وبعد الجراحات ساهم بشكل كبير في إنقاذي من مضاعفات مقلقة…
يبقى أن أشكر كلّ الذين أخجلوني بمحبتهم وسؤالهم.. وورودهم أيضاً…