يعيدنا موت الياس سكاف، الزعيم البقاعي الابرز بحق، الى الواقع السياسي الذي نعيشه، حيث كلام كثير عن الشعب، ولا احترام لخيارات الناس، ولا اعتبار لما يقولون، بل بالأحرى لا تحسس لآلامهم ومعاناتهم وأنينهم. أطلق سكاف على تجمّعه السياسي اسم “الكتلة الشعبية”، فكان قريبا من الناس، ورضخ لإرادتهم، فظلّ كبيراً حتى بخسارته المقعد النيابي اذ خرج لشكر اهله وناسه الذين وقفوا معه وإن لم يحالفه الحظ، أو ساهمت تحالفات معينة في اسقاطه. شكر الناس ووعدهم بالاستمرار في العمل العام، أو لنقُل في الخدمة العامة، فكان حاضراً على الدوام. يفتقده لبنان اليوم، وخصوصاً في ظل جحود سياسيين حق مواطنيهم، كأنهم حاجة انتخابية تستخدم كل اربع سنوات فقط.
يقودنا الامر الى الحراك المدني الذي نشاهد فصولا منه تباعاً اعتراضاً على ممارسات، بل ربما على اهمال مزمن، ولا نرضى عن بعض اعمال شغب وتخريب، قد تحصل في دول كثيرة في العالم، لكن واقعنا الاقتصادي كما الامني لا يحتمل المغامرات، أو دخول عناصر مجهولة على الحراك واضاعة بوصلته. فاذا كانت المطالب الحياتية محقة، فان تصرفات سيئة قد تضيع هذه الأحقية، وتدخلها في جدل عقيم كالذي يحصل حاليا بين السلطة والمتظاهرين، ومحاولات كل فريق تحميل الآخر مسؤولية الفوضى.
والحقيقة ان الدولة ظهرت في عجز كبير لم يعد ممكناً هضمه، فهي غير قادرة على تسيير شؤونها، فلا انتخاب لرئيس، ولا عمل للحكومة، ولا تشريع في المجلس، والنفايات في الشارع تتكدّس يوما بعد آخر، وثمة اتهامات متبادلة بسرقات بعشرات الملايين من الدولارات، ولا من يسأل، ولا من يوضح، ولا من يعلن الحقيقة للناس.
في ظل هذا التأزم، قد لا يقتصر الشارع على مشاغبين، بل ربما جذب آخرين سئموا حفلات التكاذب عبر الاعلام، وتبادل الاتهامات، ثم الاجتماع مجدداً بأشكال متعددة من الحوار، قد يفيد، وقد لا يفيد اللهم إلا إذا كان الهدف اعلان المتحاورين أنهم فعلوا ما في وسعهم، ولم يتمكنوا من الاتفاق.
ولكن ماذا بعد؟ وهل يعي هؤلاء خطورة المرحلة التي نمر فيها؟ أم انهم استسلموا امام عجزهم عن ابتكار الحلول، وامام تشبثهم بمواقف ومصالح باتت تتعارض مع مصالح البلد والناس؟ انها استقالة طوعية قد تؤدي الى المجهول. فهل من يسمع؟