IMLebanon

إستراتيجيّة التصويتَين

نظرياً يتجه مأزق قانون الانتخاب الى مجلس الوزراء للمناقشة مثلما نوقشت الموازنة، وللتصويت، لكن عملياً هذه الرحلة لن تكون إلّا رحلة صوَريّة، لأنّ الاحتكام الى المؤسسات سقط منذ ما قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وبات عنوان التوافق هو الممرّ الإجباري الذي تصلح تسميته «القدر المحتوم».

بإعلانه طرح مشروع القانون على مجلس الوزراء، يكون الوزير جبران باسيل قد خطا الخطوة النهائية نحو كشف النيات والمواقف من القانون، فهذه الخطوة باتت عملياً في ملعب «حزب الله» الذي رفض صيغ باسيل الثلاث ولا سيما منها الاخيرة، حيث إنّ «الحزب» وضع باسيل في خانة مَن يعمل للفدرالية.

لكن هل سيسمح الحزب لقانون الانتخاب أن يسلك طريقه الى مجلس الوزراء، مع معرفته بأنّ قانون باسيل الذي يؤيّده «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وغير معترض عليه لدى تيار «المستقبل»، والموضوع جنبلاطياً في مرتبة «أهون الشرّين»؟

هل سيسمح الحزب بأن يحصل التصويت في مجلس الوزراء مع معرفته بأنّ التصويت لن يكون الى جانب قانون النسبية، لا بصيغة لبنان دائرة انتخابية واحدة، ولا ربما بصيغة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي؟

وهل سيسمح الحزب أصلاً بوضع قانون الانتخاب على جدول اعمال مجلس الوزراء، مع معرفته المسبقة، بأنّ ذلك سيكون مقدمة للتصويت، بعد جلسة أو اثنتين أو ثلاثة، لا بل مقدمة لاضطرار الحزب الى استعمال الاسلحة المحرَّمة كإسقاط نصاب جلسة الحكومة (يملك الثلث المعطل)، أو الاستمهال لاستعمال سيناريو شبيه، بما قام به عام 2010 لمنع تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، والإتيان بحكومة ميقاتي؟

يطرح «حزب الله» التوافق على القانون الذي يريد، وينذر بالفوضى اذا ما أُقر أيّ قانون آخر، ومع ذلك فإنّ ثنائي «القوات» و«التيار»، ما زال يراهن على «حشر» الحزب في المؤسسات، عبر التلويح بغالبية جاهزة في مجلس الوزراء، وأخرى في مجلس النواب، لإمرار قانون باسيل، بما يشبه اعتماد استراتيجية التصويتين المتتاليين، فهل يصحّ الرهان؟

لا تشي الوقائع بكثير من التفاؤل، فعون لم يقل كلمته بعد، وهذه الكلمة لن تُقال قبل التفاهم مع «حزب الله» على المسار والتفاصيل، أما الحريري الذي في يده وضع جدول الاعمال بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، فهو ليس في وارد الاصطدام لا مع «حزب الله» ولا مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لأنّ مجرد وضع قانون الانتخاب على جدول الاعمال والذهاب الى التصويت، سيعني كشف الاوراق، وتحديد الخيارات النهائية، ويفضل الحريري في هذا الاطار أن يترك لثنائي «القوات» و«التيار» أن يحملا عبء مواجهة صيغة النسبية، وهو لطالما اعتبر أنّ هذه الصيغة لا تصيبه بأيّ ضرر انتخابي، وطالما اعتبر أنّ الوقت المستقطع قبل إجراء الانتخابات يصب لمصلحته كلما طال.

يأمل باسيل في أن يلتفّ على معارضة «حزب الله» لصيغه الثلاث، وخصوصاً الأخيرة، برمي الكرة عند الحزب والتذرّع بأنّ ملاحظاته عليها تقتصر على الجانب الشكلي والإجرائي، كذلك يأمل في أن يأخذ الحزب في الاعتبار ما قدمه ويقدمه عون من دفعات في حساب التفاهم الثنائي، بحيث تترجم مرونة في قبول قانون انتخاب يناسب «التيار» وحليفه المسيحي، لكنّ الوقائع تشير الى أنّ الحزب لا يكتفي بالتمسك الصارم بالنسبية، بل يستعجل إقرار القانون النسبي، خلافاً لمصلحة حليفه المسيحي، فقد تغيّر الزمن الذي كان الحزب فيه يفوِّض الى «التيار» على بياض اختيار القانون الانتخابي الذي يناسبه، ولا تسقط من الذاكرة في هذا الاطار، أنّ «حزب الله» دَعَم «التيار» في القانون الأرثوذكسي الطائفي بكامله، ويومها كانت المناورة تقتضي لإحراج رئيس حزب «القوات اللبنانية» مسيحياً، أن يروج «الحزب» للقانون الارثوذكسي وأن ينتظر نوابه في المجلس بلهفة لانعقاد جلسة إقراره.