إسقاط الطائرة الروسية لإجهاض المسعى الروسي إنشاء التحالف الدولي الموحّد؟
إسقاط الطائرة الروسية مؤشر إلى إمكان حدوث تحوّل هام في المسار المعقّد للوضع السوري
يحلو لديبلوماسي رفيع عامل في بيروت القول ان ملامح التسويات السياسية للاقليم عالقة عند قمتيّ «جبل النسر» و«البرج 45» (أعلى قمم جبل التركمان في ريف اللاذقية على الحدود السورية – التركية). فنار الحروب آخذة في الاتساع، وملامح الحلول تضيق يوما بعد يوم، من اليمن الى فلسطين، مرورا بتونس وليبيا والعراق وسوريا ولبنان.
يرى الديبلوماسي ان بوادر النزاع الدولي منذ إسقاط تركيا المقاتلة الروسية أخذت منحى خطرا في النزاع في سوريا، وظهرت إشارات عدة إلى إمكان تصاعد تفاعلات هذا الحدث عالميا وإقليميا والذي يعتبر الأول من نوعه من حيث إسقاط طائرة روسيّة / سوفياتية منذ آب 1988، يوم اسقطت طائرات اف 16 باكستانية قاذفة سوفياتية من طراز سوخوي 25، كانت اخترقت المجال الجوي الباكستاني، وأسرت باكستان الطيار.
ويشير الى ان اسقاط الطائرة مؤشر الى إمكان حدوث تحوّل هام في المسار المعقّد للوضع السوري، وكذلك في العلاقات التركية – الروسية التي أخذت بعدا متأزما منذ اتهام انقرة موسكو بأنها تستهدف عمدا مناطق التركمان السوريين القريبة من الحدود التركيّة بقصد ضرب فكرة البنية التحتية للمنطقة الآمنة التي تسعى تركيا الى فرضها.
ويورد مجموعة الملاحظات والمعطيات هذه التي عقدت العلاقة التركية – الروسية ليستخلص الآتي:
«أ – فلنفترض، لضرورات البحث، ان الطائرة الروسية خرقت فعلا السيادة التركية، هل يؤخذ قرار اسقاطها بهذه البساطة من دون تحديد العواقب والنتائج المترتبة؟
ب – هل فعلُ اردوغان هو في سياق الانتقام من بوتين الذي اتهمه بصريح العبارة بأنه داعم للإرهاب في سوريا، عندما توجه الى قادة العشرين المجتمعين في أنقرة، عاصمة الخلافة الأردوغانية، قائلا: من بينكم على هذه الطاولة ثمة من يموّل الارهاب ويدعمه، ثم افصح امام الإعلام: «أعطيتُ في الاجتماع أمثلة متعلقة بمعلوماتنا عن تمويل أشخاص، من مختلف الدول، لأقسام مختلفة من داعش؛ وحددنا أن التمويل يأتي من 40 دولة، بما فيها بعض دول مجموعة العشرين؟».
جـ – لم يكن القرار التركي بإسقاط المقاتلة وليد لحظته، إذ ان مدة الحادث (بين انذار الطائرة الروسية واعتراضها من ثم إسقاطها) لم تتعد الدقائق الخمس، مما يعني ان الطائرتين التركيتين كانتا تحلقان في المنطقة الحدودية عندما وصلها الأمر بإطلاق النار. فماذا كانتا تفعلان هناك؟ (تقصّد بوتين تكرار ان الطائرة الروسية تعرضت لكمين تركي).
د – لا يمكن لأنقرة ان تأخذ قرار اسقاط الطائرة بمعزل عن التطورات السياسية المحيطة بالحرب السورية، وخصوصا مسألة التحالف الدولي الجامع ضد الارهاب الذي تسعى موسكو الى بلورته (وباتت فرنسا احد اكثر المروجين له بعد اعتداءات باريس)، والتي تعدّ انقرة اكبر معارضيه.
هـ – تالياً، هل تعمّدت انقرة، بدفع غربي وربما اميركي، افتعال الحادث تزامنا مع وصول الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى واشنطن وعشية زيارته موسكو؟
و – بصراحة اكبر، هل أرادت انقرة من الحادث اجهاض المحادثات الروسية – الفرنسية الرامية الى توحيد الجهد الدولي ضد الارهاب، بدليل ان الرئيس التركي وظف الحادث بسرعة لافتة، فأعاد الحديث عن المنطقة الآمنة من مدينة جرابلس السورية في ريف حلب الى البحر المتوسط؟
ز – هل أراد أردوغان اجهاض المسار الفرنسي المستجد الطامح للتحالف مع روسيا في سوريا والذي يتعارض مع المصالح الحيويّة التركيّة التي لا يستطيع حلف شمال الاطلسي «الناتو» تجاهلها او القفز فوقها، خصوصاً مع التزخيم العسكري الروسي – الإيراني، مع علم الرئيس التركي ان هذا التطور الخطر سيكون عنوانا جديدا للنزاع الأميركي – الروسي، وسيشكل حافزا لاندفاعة تركية – عربية ستوازن الاندفاعة الروسية – الإيرانية.
حـ – هل ان المسار السياسي الذي خطّه مؤتمر فيينا، وهو لم يحظ برضى دول اقليمية معنية بالنزاع السوري، بات على مسار التهرؤ؟
ط – كيف سيرد بوتين؟ هل يزخم مسعاه لتشكيل الحلف الموحد ضد الارهاب ام يصرف النظر؟ هل يثأر بتسريع حرب استعادة الشمال السوري ووضعه بين يدي النظام؟ ام يقفز فوق الحادثة في اتجاه تزخيم مسار الحل السياسي السوري من باب فيينا نفسه.
ي – ماذا عن بقية المسارات اللاهبة في الاقليم؟ وفي لبنان تحديدا؟ هل تتباطأ مشاريع حلولها نتيجة هذه التعقيدات المستجدة؟ هل تذهب مبادرة سعد الحريري أدراج رياح التصعيد الإقليمي، فتبقى عالقة على قمم جبل التركمان، أم أن من أوجدها لم يرد لها في الأصل ان تتكوّن جنيناً؟!».