Site icon IMLebanon

وزراء البيئة والأشغال والزراعة يتحدثون: الشغل ماشي والضرر حصل

 

 

توسيع طريق وادي الجماجم – بسكنتا… بين المؤيدين والمعارضين

 

 

كأنه قدر الكثير من المشاريع في لبنان ألّا تسير ضمن الأطر القانونية وأن تُنجز – لو كُتب لها ذلك – في ظل مخالفات وتعديات وتعارض المصالح السياسية. كيف لا والعديد من القوانين هنا مجرّد وجهة نظر. هذه هي حالنا غالباً لسوء الحظ. مثال حيّ آخر على ذلك يتمثّل بمشروع توسيع طريق وادي الجماجم – بسكنتا. مشروع يتنازعه فكّان أساسيان: الأول بحجة تحقيق الإنماء والثاني بصفة الدفاع عن البيئة والحفاظ عليها. فما الحكاية؟

 

في عودة سريعة إلى الوراء، تقدّم وزير الدفاع الوطني السابق، الياس بو صعب، في الثامن عشر من آذار 2019 بطلب الاستحصال على ترخيص عائد لشركة JSBC الخاصة بتكسير الصخور بهدف توسعة الطريق الممتدة من وادي الجماجم إلى بسكنتا، من دون أن يترتب على ذلك أعباء مالية على الدولة. وفي التاسع عشر من أيلول وافق وزير البيئة السابق، فادي جريصاتي، على الطلب المقدّم شرط الاستحصال على موافقة وزارة الأشغال العامة والنقل أيضاً. وهذا ما حصل في الحادي عشر من تشرين الأول من العام نفسه حيث وقّع وزير الأشغال العامة والنقل في حينه، يوسف فنيانوس، على الكتاب المرسل من وزارة البيئة.

 

 

 

عندها، وبناء على موافقة كل من وزارة البيئة ووزارة الأشغال العامة، أعلنت وزارة الداخلية والبلديات أن لا مانع لديها حيال البدء بالمشروع من تركيب وتشغيل الكسارة كما السماح بإخراج بعض المواد لتأمين تلك الأساسية في أعمال الرصف، على أن يتمّ العمل تحت الإشراف المباشر لوزارة الأشغال العامة والنقل. لا شك أن فكرة المشروع حيوية، فالطريق ضيّقة و»الكواع» قاسية ولا بدّ من اتخاذ إجراءات تحمي السائقين والسيارات التي تسلكها من الانزلاق. لكن تساؤلات كثيرة تُطرح اليوم حول المشروع لا سيما وأنه قد أعيد تحريكه مجدداً بعدما توقّف لفترة: لماذا استئناف عمليات التوسيع الآن قبيل الانتخابات النيابية؟ هل ثمة اعتبارات سياسية معيّنة على صعيد الحصول على إذن كسارة لصالح مؤسسة خاصة بهدف إتمام مشروع لا يندرج مخططه أصلا ضمن مخطط الدولة؟ ثم أين دراسة تقييم الأثر البيئي التي كان يجب أن تُرفق مع موافقة وزيري البيئة والأشغال قبل انطلاق المشروع؟ ولِمَ لا يستعاض عن توسيع الطريق، مثلا، بإنارتها عبر الطاقة الشمسية كما حصل في بعض المناطق اللبنانية، مع تشييد حواجز إسمنتية على طول الطريق، فيصار بذلك إلى حماية الوادي والحفاظ على جماله وتنوّعه البيولوجي حيث صُنّف «موقعاً طبيعياً ومحمياً؟»، أسئلة كثيرة برسم المعنيين.

 

 

 

الإنماء أساسي ولكن…

 

من وجهة نظر الوزير بو صعب، الذي أُطلق المشروع بمسعى منه، أن انتظار أهالي المنطقة قد طال لتنفيذ توسيع الطريق الممتدة من بسكنتا إلى وادي الجماجم نظراً لوعورة طرقات الوادي وأعداد السيارات التي تمرّ عليها يومياً. وقد سلك المشروع مراحل عدّة منذ العام 2018 تضمّنتها مفاوضات مع رؤساء البلديات والمسؤولين ذوي الصلة، ليُقرّ رسمياً أواخر العام 2019 حين كان وزيراً للدفاع. المشروع غير تجاري ويتمّ تمويله من خلال بيع البحص الناتج عن تفتيت الصخور التي يُصار إلى تكسيرها، وهو بالتالي ليس بحاجة لأي تمويل من الدولة، بحسب أبو صعب. وبالنسبة إليه، هو لن يضرّ بالبيئة بتاتاً كما لا مانع لديه من التقدّم بطلب تشكيل لجنة من الخبراء البيئيين للاطلاع على سيره. فأين هي تلك اللجنة وأين دراسة تقييم الأثر البيئي التي يجب أن تضعها؟

 

وجهة النظر البيئية

 

ترافق بدء تنفيذ المشروع أواخر العام 2019 مع تحرّك الناشطين البيئيين مطالبين بحماية وادي الجماجم من التشويه والتعدي البيئي الذي سيلحق به جراء غياب دراسة علمية واضحة تحمي التنوع البيولوجي وتضمن تنقل الحيوانات البرية القاطنة فيه كما تكفل عدم تشويه المناظر الطبيعية. وقد توقفت عمليات التوسيع لفترة طويلة إلى أن عادت واستؤنفت في أيار 2021. هنا، في 18/05/2021، أرسلت الحركة البيئية كتاباً إلى وزارة البيئة للاستعلام عما إذا كان المشروع مرفقاً بدراسة تقييم أثر بيئي، ومعتبرة كتابها هذا بمثابة إخبار في حال عدم توفر الدراسة، وقد جاء ردّ مدير عام البيئة بأنه «لا يوجد لدى المديرية العامة أي دراسة تقييم للأثر البيئي لمشروع تحت عنوان توسيع طريق وادي الجماجم». كذلك، تشير المادة 21 من قانون حماية البيئة رقم 444/2002 إلى أن «على الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص إجراء دراسات الفحص البيئي المبدئي أو تقييم الأثر البيئي للمشاريع التي قد تُهدّد البيئة». ومشاريع إنشاء وتوسيع الطرقات هي من المشاريع التي تستلزم حكماً تقرير تقييم أثر بيئي بحسب الملحق رقم 1 من مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي رقم 8633/2012. بناء على ما تقدّم، أصدر وزير البيئة ناصر ياسين في 12 كانون الثاني 2022 قراراً بوقف أعمال الحفريات والتوسيع فوراً كما إجراء التحقيق مع الجهات المعنية (بلدية، متعهد…) لتبيان واقع الحال. لكن كما تسير الأمور في معظم الأحيان في لبنان للأسف، لا يبدو أن ثمة التزاماً بالقرار، إذ استؤنفت الأعمال في منتصف شباط .

 

للوقوف على الحيثيات البيئية للموضوع، كان لـ»نداء الوطن» حديث مع رئيس جمعية «أرض لبنان» والرئيس السابق للحركة البيئية اللبنانية، السيد بول أبي راشد، الذي أوضح أنه لم يكن يوماً ضدّ مشروع توسيع الطريق الممتدّة من وادي الجماجم إلى بسكنتا، لكن هناك أصولاً وقوانين بيئية يجب احترامها. ورغم أن الطريق بحاجة ماسة إلى معالجة، إلا أنه أبدى تخوّفه من أن يتكرر سيناريو مشابه لما حصل في أوتوستراد المتن السريع الذي دمّر الوادي وطريق بيت مسك – العطشانة حيث شوّه المنطقة بكاملها. الضمانة الوحيدة لتفادي تكرار تلك المأساة البيئية هي القيام بدراسة تقييم الأثر البيئي للمشروع عن طريق مختصين في مجال البيئة. وعن سؤال حول الجهة المخوّلة طلب القيام بالدراسة، يجيب أبي راشد: «يمكن أن يكون صاحب المشروع أو وزارة الأشغال». ويستطرد ليتساءل عن مخالفتين رئيسيتين: كيف يجوز إعطاء رخصة كسارة في وادٍ مصنّف كموقع طبيعي، إذ أن المرسوم رقم 8803/2002 وتعديلاته من قانون تنظيم المقالع والكسارات يحظّر استخدام مقالع الصخور للكسارات والردميات في المواقع والمحميات الطبيعية، كما أنه كيف يتمّ الشروع بالتنفيذ بغياب دراسة تقييم الأثر البيئي؟ ويختم أبي راشد كلامه مشدداً على أن التذرع بجهل القانون لا يجوز بعد الآن، مطالباً الجهات المسؤولة بالقيام بدورها الفاعل للحدّ من الانتهاكات الممارسة بحق البيئة.

 

فما هو رأي الوزراء المعنيين الذين تواصلت معهم «نداء الوطن»؟

 

أين المسؤولية الرسمية؟

 

البداية كانت مع وزير البيئة، ناصر ياسين، الذي عاد وأكّد في حديث لنا معه الثبات على موقفه لناحية ضرورة إيقاف أعمال التوسيع إلى حين القيام بدراسة تقييم الأثر البيئي. أما عن كيفية موافقة وزارة البيئة في مرحلة سابقة على المشروع من دون طلب الدراسة البيئية، فلم ينكر أنه «كان يجب استدراك الموضوع منذ ذلك الوقت وإلزام منفّذ المشروع بتقديم الدراسة وإلا لما كنا وصلنا لما نحن عليه اليوم». وإذ شدّد على أن الدراسة تُقدّم عادة قبل البدء بتنفيذ المشروع، أضاف: «للأسف المشروع أصبح قائماً على أرض الواقع وكل ما يمكننا فعله الآن هو وضع خطة احترازية لمواجهة أي تأثيرات بيئية، كما الالتزام بالإجراءات السليمة».

 

نفهم إذاً أن لا عودة إلى الخلف ولا يمكن إيقاف المشروع بعد أن بدأ التنفيذ؟ يشرح أحد الخبراء البيئيين أنّه «في حال المخالفة، يتعيّن على الجهة المخالفة إعادة الحال إلى ما كانت عليه. حتى الآن لم تُنجز سوى أعمال حفر الطريق، والقول إننا أمام أمر واقع هو محاولة للتهرّب من القانون». المادتان 51 و52 من قانون حماية البيئة تنصان على أن «كل انتهاك للبيئة يلحق ضرراً بالأشخاص أو بالبيئة يُسأل فاعله بالتعويض المتوجب»، كما أن «المسؤولين عن أي ضرر يطال البيئة بسبب أعمال منجزة من دون تصريح أو بصورة مخالفة للأحكام القانونية، ملزمون باتخاذ كل التدابير لإزالة الضرر، على نفقتهم الخاصة».

 

بالعودة إلى ياسين، لم يستبعد إمكانية استغلال مشاريع مماثلة في وقت أصبحت الانتخابات النيابية مبدئياً على الأبواب، أو استغلال البعض لمناصب معيّنة لتمرير مشاريع غير مكتملة على غرار ما يحصل في وادي الجماجم. قرار ياسين بتعليق العمل لم يؤخذ بالاعتبار، فمن يتحمل المسؤولية؟: «نحن لسنا أداة تنفيذية وعلى وزارة الداخلية أن تقوم بدورها لتطبيق القرار، كما نطالب السلطات المحلية كافة بمساندتنا وإعلامنا بكل المستجدات. لتكن إشكالية هذا المشروع بمثابة رسالة لرفع درجات الوعي والمسؤولية لدى الجميع».

 

من ناحيته، أبدى وزير الزراعة عباس الحاج حسن في اتصال معه أسفه لما يحصل في وادي الجماجم، مؤكداً أنه سوف يعمل على إنجاز تقرير مفصّل بالتعاون مع كل من وزراء البيئة والأشغال والداخلية، لا سيما في ما يختص بتشحيل الأشجار نتيجة أعمال التوسيع وقطع تلك المعمّرة منها. وأردف: «محزن جداً أن نرى استمراراً في التعدي على القانون كما أننا مضطرون لمعالجة تراكمات الوزارات التي سبقتنا، فالموضوع أصبح شائكاً جدّاً».

 

أما وزير الأشغال، علي حمية، فقد أبلغنا لدى سؤالنا له أن لا علم لديه عن كيفية الحصول سابقاً على موافقة الوزارة. وفي ما يخص إيقاف العمل بالمشروع، فلا سلطة للوزارة في هذا الإطار، بحسب حمية، كونه مشروعاً خاصاً ولا ينفّذ بإشرافها. القانون واضح والوزراء لا ينكرون ضرورة إيقاف أعمال التوسيع إلى حين صدور دراسات مفصّلة، لكن العبرة تبقى كما دائماً وأبداً في تنفيذه.

 

 

 

الأهالي بين مؤيد مطلق وخائف على البيئة

 

يتبيّن لمن يستطلع آراء أبناء المنطقة أن هناك انقساماً بين مؤيد لتوسيع الطريق بغض النظر عن المخاوف البيئية وبين مطالب بحماية بيئة الوادي أولاً. كما درجت العادة، الشارع معرّض دائماً للشرذمة. ثمة من يؤيد «عالعمياني» ومن يريد أن يعرف أكثر قبل إطلاق الأحكام. والحال أن فئة من أبناء المنطقة تدافع بشراسة عن المشروع على اعتبار أن لا غنى عنه لربط المنطقة بالساحل خاصة أن عدد السيارات التي تسلك الطريق يزداد يوماً بعد يوم، بغض النظر عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالبيئة. فبالنسبة لهم: «البشر أهم من الحجر». في حين أن فئة أخرى ترى أن هناك خلفية سياسية ما تعلو فوق كل اعتبار. فمعالجة الطريق برأيهم ضرورة وحاجة ماسة – وهذا ما لا يختلف عليه اثنان – لكن شرط الحد من الأثر السلبي على البيئة المحيطة قدر المستطاع. ويتساءل بعض من تواصلنا معهم من الأهالي مكرّرين: «لِمَ الإصرار على المشروع قبل الانتخابات؟». لكن الإجابة سرعان ما تأتي منهم أيضاً: «لأن البعد سياسي… ولهذا السبب مشاريع البلد بمعظمها غير مكتملة». «بسكنتا»، كما قال أحد سكان المنطقة، «هي بلدة المئة طبيب وجارة القمر وملهمة الشعراء لكن للأسف زواريب السياسة تُشرنق عقول البعض فيها».

 

على أي حال، التحسين والتطوير الإنمائيان لغرض تسهيل حياة الناس وجعلها أكثر أماناً أمر مرحّب به دائماً. لكن، على نفس القدر من الأهمية، ألا يستحق الالتفات إلى البيئة مزيداً من الاهتمام لا سيما في ظل التغير المناخي والتصحر العالمي اللذين نشهدهما. فلنتمسك بما تبقى من ثروة حرجية لأنه وكما قال الكاتب الفرنسي يان أرثوس بيرتراند: «يجب التركيز على ما بقي لدينا وليس على ما خسرناه».