يبدو الانفجار وشيكا في وادي خالد في عكار، اذا استمر الوضع على ما هو عليه في تلك المنطقة الحدودية التي دفعت ثمن استغلالها سياسيا، وتحويلها الى حاضنة خلفية للمعارضة المسلحة ضد النظام السوري في السنوات الماضية، وهي تدفع اليوم ثمن الاجراءات الأمنية والتخلي السياسي والتهميش الانمائي.
عندما أرادت «قوى 14 آذار» توجيه رسالة سياسية الى النظام في سوريا والى حلفائه اللبنانيين، اختارت أمانتها العامة منطقة وادي خالد الحدودية، فاحتشد نوابها وقياداتها في مشهد احتضاني للأهالي والنازحين على حد سواء، وأغدقوا الوعود برفع الغبن والحرمان عنهم، وتعويضهم كل ما خسروه من توقف تجارتهم بسبب إقفال المعابر أو استقبالهم النازحين، قبل أن يكتشف الأهالي أن منطقتهم كانت مجرد محطة لزيادة جرعات التحريض السياسي والشحن المذهبي.
هذه الصبغة السياسية التي أعطتها «قوى 14 آذار» لمنطقة وادي خالد، دفعت النازحين الى التدفق باتجاهها حتى بات عددهم يضاهي عدد الأهالي، وتشير الأرقام الى أن عدد المقيمين في تلك المنطقة التي تضم 22 قرية يبلغ نحو 70 الف نسمة نصفهم من النازحين في ظروف اجتماعية وإنسانية مأساوية، في حين بقيت وعود «قوى 14 آذار» حتى بعد تشكيل «حكومة الوحدة الوطنية» حبرا على ورق.
تشير المعطيات الى أن الوضع الأمني في وادي خالد مضبوط في ضوء الاجراءات الاستثنائية التي اتخذها الجيش اللبناني ومنع بموجبها كل المجموعات المسلحة من التسلل عبر الحدود لاطلاق النار باتجاه الجيش السوري، وذلك بعد انتهاء الوظيفة العسكرية لهذه المنطقة مع سقوط «قلعة الحصن» ومعظم الخطوط الأمامية للمعارضة المسلحة بيد الجيش السوري، فضلا عن المداهمات المستمرة للجيش لملاحقة المطلوبين والمتورطين سواء باطلاق النار أو بتهريب السلاح والممنوعات.
ويمكن القول أن لإجراءات الجيش وجهين، الأول، إيجابي يتمثل بالاسترخاء الأمني في وادي خالد وتراجع حضور المجموعات المتطرفة والمسلحة التي غادر بعضها المنطقة على وقع الملاحقات اليومية الى جهات مجهولة، والثاني، سلبي يتمثل بشبه حصار للمنطقة خصوصا في ظل منع السوريين الذين لا يملكون أوراقا ثبوتية من الخروج من المنطقة.
ومن المعروف أن أكثرية أهالي وادي خالد كانوا يعيشون على التجارة البينية بين لبنان وسوريا (التهريب) والتي توقفت بعد إقفال كل المعابر الشرعية من قبل الجيش السوري لأسباب أمنية وسياسية بينها موقف «قوى 14 آذار» ونواب عكار الداعم للمعارضة السورية، وما زاد الطين بلة غياب أية مشاريع إنمائية أو إنتاجية سواء من الدولة أو من القطاع الخاص، فضلا عن غياب خدمات مؤسسات «تيار المستقبل» في المنطقة.
هذا الواقع دفع بالكثيرين من أبناء وادي خالد الى العمل كسائقي فانات لنقل السوريين واللبنانيين من المنطقة الى القرى العكارية أو طرابلس وسائر المناطق اللبنانية الأخرى والذين يفتشون عن سبل العيش، لكن الاجراءات الأمنية الأخيرة ومنع خروج السوريين ممن لا يملكون أوراقا ثبوتية والزحمة غير المسبوقة التي يشهدها حاجز الجيش في شدرا أدت الى إقفال أبواب رزق أكثرية هؤلاء، في حين بدأ عدد من السوريين يقعون ضحية بعض السماسرة الذين يقدمون عروضا لهم لتهريبهم من وادي خالد الى مناطق لبنانية أخرى من أجل العمل، وذلك لقاء مبالغ مالية تصل الى حدود مئتي دولار على الشخص الواحد.
وكان لافتا للانتباه تزامن ذلك مع توقف المفوضية العامة لشؤون اللاجئين عن تقديم مساعداتها الى النازحين الأمر الذي كاد أن يهدد بمجاعة لولا المساعي التي بذلت والتي أعادت هذه المساعدات الى ما كانت عليه سابقا بعد توفر مبلغ مليون ونصف المليون دولار للمفوضية، لكن الخوف يبقى من توقف هذه المساعدات في أي لحظة مع الاعلان عن تقليص الدول المانحة للأموال التي تدفعها لهذه الغاية، خصوصا أن المفوضية أوقفت أربعة أشخاص من وادي خالد عن العمل (بحسب أحد المخاتير) بسبب تقليص ميزانياتها.
هذه الوقائع انعكست تنشيطا لبعض المعابر غير الشرعية مثل معبريّ «خط البترول» و»قرحا» على خط تجارة اللحوم والسلع الغذائية، فضلا عن دخول عدد كبير من المرضى للعلاج في سوريا التي باتت مناطقها أقرب إليهم جغرافيا من حلبا وطرابلس وبيروت بسبب الاجراءات الأمنية المشددة.
وعلم أن وفد عشائر وادي خالد الذي زار قائد الجيش العماد جان قهوجي أكد له أن المنطقة مفتوحة أمام الجيش وأن لا غطاء فوق أي مطلوب أو مخل بالأمن، مطالبين الجيش بتخفيف الاجراءات العسكرية بما يعيد المنطقة الى طبيعتها ويساعد أهلها على العمل والانتاج بعدما تقطعت بهم السبل وباتوا مهددين بالجوع، وحذر وجهاء وادي خالد من أن المنطقة مقبلة على انفجار اجتماعي قد يكون أخطر بكثير من أي انفجار أمني، في ظل استمرار سياسة ادارة الظهر للمنطقة من قبل الدولة والأحزاب.
ويشير رئيس بلدية وادي خالد فادي الأسعد الى أن حصة وادي خالد من ضباط المدرسة الحربية لهذا العام كانت صفرا، بالرغم من كل الوساطات التي قمنا بها والوعود السياسية التي أغدقت علينا، في حين تم قبول ثلاثة شبان فقط في الجيش اللبناني من أصل 1500 شاب تقدموا بطلباتهم، وكنا موعودين بادخال شابين في أمن الدولة ولم يحصل ذلك، ونحن اليوم ننتظر دورة قوى الأمن الداخلي التي باتت الأمل الأخير لادخال شبابنا في سلك الدولة، مشيرا الى أن التوظيفات في المؤسسات الرسمية المدنية الأخرى معدومة، متسائلا: الى متى سيستمر هذا التهميش؟ ومن ينقذ وادي خالد من واقعها الأليم؟ ومن يحميها من انفجار اجتماعي بات وشيكا؟.