من المؤكد أن الجولة التي قام بها البطريرك الماروني بشارة الراعي في الجنوب بالأمس، قد حملت دلالات ورسائل سياسية وروحية في أكثر من اتجاه سواء بالنسبة للتوقيت أو بالنسبة للمحطات التي تضمنتها، وقد قرأ فيها الوزير السابق وديع الخازن، تكريساً لـ “حرص بكركي ومجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك على ديمومة لبنان، وإعادة وصل العلاقات الأخوية بين جميع مذاهبه”، مشدداً على أن “الجنوب يبقى الشغل الشاغل للبطريرك الراعي، المُصرّ، من دون كلل، على المساعدة في تذليل الصعوبات على المستويات كافةً، وعلى دعم صمود أبناء هذه المنطقة العزيزة على قلوبنا”.
وقال الخازن لـ “الديار” ان خطوة البطريرك الراعي “رسالة تضامن مع عوائل الشهداء والجرحى، ومع جميع البلدات الجنوبية وأهلها بوجه المجازر التي يرتكبها العدوان الصهيوني، والتي لا سابق لها في التاريخ المُعاصر”، معتبراً أن الزيارة التي شملت مدينة صور ودار الإفتاء الجعفري ودار الفتوى وكنيسة مار توما، وكنيسة سيدة البحار المارونية، شكّلت “وقفة محبة وتضامن تحمل الإطمئنان إلى قلوب الجنوبيين وتعيد إليهم الثقة بانتمائهم إلى الدولة، التي يجب أن تكون الراعية لهم والداعمة لحقوقهم، وتترجم الحرص على وحدة اللبنانيين بتنوعّهم المذهبي، وتظهير صورة لبنان الحقيقية كأرض للحوار والتعايش”.
وشكر المرجعيات الروحية مُبادرتها، وثمّن للبطريرك الراعي مساعيه المتواصلة من “أجل قيامة لبنان، ووحدة اللبنانيين وصمودهم بوجه الإرهاب والحرب الوحشية التي يقودها الصهاينة في غزّة”، ومتوجّهًا إلى غبطته بالتحية لمواقفه الوطنية المسؤولة، وبالتالي، فهو دعا إلى “التمسّك بتضامنهم، والوقوف موحّدين إلى جانب الجنوب، قطعًا للطريق أمام أي استراتيجية دولية لاستباحة أرضه وتحويله جوائز ترضية لأي صراع إقليمي”.
وحول الاعتداءات الإسرائيلية “الأعنف” التي تزامنت مع زيارة البطريرك الراعي، أبدى التعاطف مع أبناء المنطقة “التي تتعرّض للاستفزازات الإسرائيلية، والذين يعانون من تراكم أزمات تخنقهم”، مطالبًا الدولة بالتعويض عليهم، حيث ان “صمودهم ودعمهم للمجاهدين أمام كل هذه الأخطار والاعتداءات المتواصلة، يوازي ملحمة البقاء، وسط الاضمحلال والفناء”. وفي هذا السياق، لم يهمل الخازن الإشارة إلى “نكبة الشعب الفلسطيني وللضحايا المدنيين وللشهداء والجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ بفعل العدوان الإسرائيلي”.
وعن تداعيات الزيارة ، توقّع أن “يُسفر التحرك الذي باشره البطريرك الراعي إلى خروج من الجمود القاتل ومن مستنقع الانهيار الشامل”، مجدداً الدعوة إلى “ترسيخ الاستقرار السياسي في هذه المرحلة الدقيقة، كونه يشكل العمود الفقري للأمن في البلد، ذلك أن الوضع لا يحتمل بعد اليوم ترقيعًا، بل حلولاً جذرية ومواقف وطنية منزّهة من كل أنانية، وفي مقدمها، عدم التباطوء في انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل سلطةٍ تبادر إلى وقف هذا الانهيار القاتل”.
وتوجّه إلى الأطراف السياسية كافةً، من أجل العمل، و”بكّل ما يملكون من حسّ وطني، لوقف مسار الفراغ والشغور اللذين تغرق في مستنقعهما البلاد حتى الاختناق، نظراً لخطورة إدخال البلاد في دوامة التعطيل والتوتر السياسي والتجاذبات الشخصية، حيث لم يعد ثمّة مجال للمزيد من اللهو والشروط التعجيزية ورفع السقوف، في وقتٍ بدأت تتفسّخ أعمدة الهيكل اللبناني، وصار على وشك التداعي والسّقوط على رؤوس الجميع”.
وأمّا لجهة الملفات الداخلية المطروحة وفي مقدمها التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون وموقف بكركي، فقد رفض “ضبط مصير قيادة الجيش اللبناني بإيقاع التطورات في المنطقة، وزجّ المؤسسة العسكرية في خلافات السياسيين، داعيًا إلى تحييدها كي تتمكن من القيام بواجبها في حفظ الأمن، إذ يكفي أفرادها هذا الضغط الذي يتحملونه في هذه الظروف الصعبة”، موجهاً التحية لشهداء المقاومة الوطنية والجيش اللبناني والجرحى “الذين قدّموا كل ما يملكون من أجل أن يبقى لنا ما نملك”.
ومن ضمن هذا السياق، شدد على “وجوب أن تنشط الدبلوماسية اللبنانية، وأن تعمل على استنفارٍ دولي لمعاجلة هذه الأوضاع الخطيرة التي يعيشها قطاع غزّة والضفّة الغربية، والتي تقع على عاتق المنظّمة الدولية والمنظّمات الإنسانية، والتركيز على إثارة حق العودة لهؤلاء الذين هربوا من المجازر الإسرائيلية إلى البلدان العربية، التي احتضنتهم وآوتهم منذ أكثر من سبعين عامًا، ولا تزال تتحمّل أوزار هذه المأساة نتيجة التخلّي عن قضيّتهم”.
وقال الخازن: هذا الأمر يحتّم على الدول العربية جمعاء أن تقوم بحملة مشتركة لإيجاد حلّ نهائي للقضية الفلسطينية من خلال قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وتأمين عودة كريمة للاجئين إلى ديارهم، لأن أي تباطؤ في هذا السبيل إنما يعطي فرصةً “لإسرائيل” التي تمعن في إجراءات التهويد في القدس والتضييق على فلسطينيي 1948 داخل كيانها، للتمادي في إفراغ الأرض الفلسطينية من أهلها الأصليين ودفعهم إلى الخروج من بيوتهم وأرزاقهم، لا سيما على وتيرة هدم المنازل الآخذة في الارتفاع في القدس لإخلائها من الوجود المسيحي والإسلامي وصولاً إلى الدولة اليهودية التي يطمح إليها المتطرّفون العنصريون الحاكمون والقادمون من دول أخرى”.