IMLebanon

زيادة الأجور بالليرة والرشاوى بالدولار الفريش

 

 

إتخذت الدولة اللبنانية مؤخراً قرار رفع أجور موظفي القطاع العام بثلاثة وأربعة أضعاف. لن نُعلّق على هذه المطالب المحقة، في ظل التدهور الإقتصادي الكارثي وانعدام القوة الشرائية وانهيار مستوى العيش. سنُركّز على القرارات العشوائية المنفصلة عن كل خطة واقعية أو إستراتيجية متكاملة ومتجانسة، وأيضاً من أي رؤية إقتصادية – إجتماعية على المدى القصير، المتوسط والبعيد.

لا شك في أنه منذ نحو أربع سنوات يواجه لبنان واللبنانيون ما صُنّف ولُقّب من قبل المراصد الدولية بأكبر أزمة إقتصادية – إجتماعية في تاريخ العالم. وقرأنا أيضاً في تقارير البنك الدولي أنها أزمة معتمدة، وخطة تدمير ذاتي، تتوالى يوماً بعد يوم. فعوضاً عن مواجهة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية من جذورها، تفضّل الدولة اللبنانية الهروب من مسؤولياتها، ومن كل الإصلاحات البنيوية، وتتخذ قرارات عشوائية لكسب الوقت أو ضياعه، تكون ضربة سيف في المياه، وتحفر في النفق المظلم عينه تحت القعر.

نذكّر أن جميع الموظفين خسروا نحو 95% من مداخيلهم ومدّخراتهم وجنى عمرهم، وهُدرت وسُرقت ودائعهم، وانجَرّوا إلى التسوّل الجبري، لتأمين أقلّ حاجاتهم الأساسية والإنسانية. فرفع الأجور بالعملة الوطنية، يعني، أنه مهما كانت القيمة والأضعاف فستعني طبع السيولة من العملة الوطنية، وضخّها في السوق، وزيادة الكتلة النقدية، وهذا يعني أيضاً التوجُّه نحو التضخم المفرط. بمعنى آخر ما أُعطي بيد، سيؤخَذ أضعافاً من اليد الأخرى، ويدفع ثمنها كل الإقتصاد واللبنانيين. فزيادة الكتلة النقدية في السوق ستؤدي إلى ارتفاع كل الأسعار المعيشية وستتبخّر أي زيادة قبل أن تصل إلى جيوب المستفيدين. ففي النهاية لن يستفيد أحد من هذه الزيادات الوهمية لكن سيدفع ثمنها كل الشعب والإقتصاد المنهار.

 

نذكّر بأسف أنه بعدما أُقرّت هذه الزيادة وحتى بدء دفعها، مع كل عيوبها وسلبياتها، المضرّة للجميع، إتُخذت هذه الزيادة وتوالت الإضرابات في كل مؤسسات الدولة، فنسأل أنفسنا: هذه الضغوط ضد مَن؟ ومَن يستفيد منها؟

 

لسوء الحظ، إنّ هذه الإضرابات مُبرمجة من وراء الستارة، من قبل الذين يريدون حجز بعض الموظفين في بيوتهم، لاستبدالهم بجماعاتهم، وإدارة بعض الوزارات الرئيسية «والمدهنة» بأيادي المافيات التي ستقبض الزيادة الوهمية، وأيضاً الرشاوى بالدولار الفريش بغية تنفيذ أي معاملة ضرورية.

 

في المحصّلة، لسوء الحظ، إنّ أي زيادة بالعملة الوطنية ستزيد التضخم المفرط وتضرب أكثر القيمة الشرائية ونسبة العيش، فهذه القرارات العشوائية هي فقط لدفع كرة النار إلى الأمام، وتأجيل الإنفجار الشعبي والإجتماعي. فهذه الزيادات الوهمية بالليرة اللبنانية يختبىء من ورائها رشاوى بالدولار الفريش، وأرباح فادحة بالأيادي السود نفسها التي تتلاعب بسعر الصرف وبالجمارك والتهريب والترويج، وتتلاعب خصوصاً بحياة اللبنانيين ومصيرهم.