Site icon IMLebanon

الوهابيّة… مذهب إسلامي جديد أم دعوة لتصحيح المسار؟

مصطلح «الوهابية» يُطلقه منذ أمدٍ بعيد كثير من الكتّاب والمثقفين وبعض القوى السياسية المناهضة لدعوة الشيخ المُجدّد محمد بن عبد الوهاب، وبعض مَن لا يعرف حقيقة دعوته الهادفة الى الالتزام بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم، والحض على اتّباع سيرة السلف الصالح. وهدف الخصوم من ذلك هو إثبات أنّ الشيخ ينفرد بمذهبٍ يخالف علماء الإسلام وأنّ له طريقة تعارض ما عليه جمهور المسلمين.

والحقيقة أنّ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي تجديد لحقيقة الإسلام من الشوائب التي أُلحقت به، ممّا يخالف سنّة النبيّ عليه الصلاة والسلام. ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليست مذهباً جديداً ولا فِرقةً تضاف الى ما سبقها.

والمعروف أنّ مصطلح «المذهب» أو «الفِرقة» لا يُطلق إلّا على الدعوة التي تأتي بأصول خاصة بها، ودعوة الشيخ ليست مبتدعة، ففي الأصول تتبع ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الإسلام، وهي في الفروع تتبع لمذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه مع اتّباع الدليل إن صحّ ولو كان مخالفاً لمذهب الإمام أحمد.

وقد أكد هذا المعنى الشيخ رحمه الله تعالى في كثير من كتبه، كقوله: «لستُ ولله الحمد أدعو الى مذهب صوفي أو فقهي أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أُعظّمهم مثل ابن القيّم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو الى الله وحده لا شريك له، وأدعو الى سُنّة رسوله التي أوصى بها أوّل أُمّته وآخرهم، وأرجو أني لا أردَّ الحق إذا أتاني، بل أُشهد الله وملائكته وجميع خلقه أنّه إن أتتنا منكم كلمة من الحقِّ لأَقْبَلَنّها على الرأس والعين ولأَضربنَّ الجدار بكلِّ ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنه لا يقول إلاّ الحق».

وفي هذا تأكيد على أنّ الوهابية التي تُنسب الى شيخها محمد بن عبد الوهاب ليست مذهباً جديداً أو فِرقةً تدعي ما يخالف ما جاء في كتاب الله وسُنّة رسوله عليه الصلاة والسلام.

وقد أكدت هذا المنحى قديماً وحديثاً نُخبةٌ من العلماء والكتّاب العرب والأجانب، حيث قال الزركلي في «الإعلام» في ترجمته للشيخ محمد بن عبد الوهاب: «إنّه كان ناهجاً منهج السلف الصالح، وداعياً الى التوحيد الخالص ونبذ البِدع، وتحطيم ما علِق بالإسلام من الأوهام، وكانت دعوته الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي، تأثّر بها رجال الإصلاح في الهند ومِصر والعراق والشام وغيرها».

وعلَّق الكاتب المصري المعروف عباس محمود العقاد على ذلك بالقول: «والظاهر من سيرة محمد بن عبد الوهاب أنّه لقى في رسالته عَنَتاً، فاشتدَّ كما يشتدُّ مَنْ يدعو غير سميع، ومن العنَت إطباق الناس على الجهل والتوسّل بما لا يضرّ ولا ينفع، وإلتماس المصالح بغير أسبابها، وإتيان المسالك من غير أبوابها.

وقد عبر على البادية زمانٌ يتكلّمون فيه على التعاويذ والتمائم وأضاليل المشعوذين والمنجّمين، ويدّعون السعي من وجوهه توسلاً بأباطيل السحرة والدجّالين حتى في الاستسقاء ودفع الوباء، فكان حقّاً على الدعاة أن يصرفوهم عن هذه الجهالة، وكان من أثر الدعوة الوهابيّة صرفهم عن ألوان البِدع والخرافات».

وقال عنها الدكتور طه حسين: «هذا المذهب الجديد قديمُ معنى، والواقع أنّه جديدٌ بالنسبة الى المعاصرين، ولكنّه قديم في حقيقة الأمر، لأنّه الدعوة القويّة الى الإسلام الخالص النقيّ المطهّر من شوائب الشِرك والوثنيّة، هو الدعوة الى الإسلام كما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام خالصاً لله، مُلغياً كلّ واسطة بين الله وبين الناس».

وقال المستشرق الهولندي سنوكر خرنويه: «لقد كانت السِمة التي تميّز بها محمد بن عبد الوهاب كونه عالماً تثقّف بالعلوم الإسلامية وفهِمَ مقاصدها وأسرارها، واستطاع بجدارة تامة أن يبرزَ الإسلام بالصورة الصافية النقيّة، كما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام».

ويقول بهذا الشأن وليّ العهد لولاية برليس في ماليزيا حين قرأ ترجمة كتاب «مجموع رسائل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب»: «قرأت تلك الترجمة ووجدت أنّ ما فيها كلّه مستدلٌّ بالآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الصحيحة، ووجدتُ أنّ محمد بن عبد الوهاب في كتابه دعانا الى توحيد الله والابتعاد عن الشِرك والخرافات، وهل مثل هذه التعاليم خطأ؟ ويؤدي الى الخلاف والتفرقة؟ وأنا أرى أنّ مَن قرأ الكتاب سيجد أنّ الشيخ أراد أن نفرّق بين الحق والباطل وبين الهداية والضلالة».

فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إذاً هي جزء لا يتجزأ من حركة التجديد والإصلاح التي رافقت الأمة الإسلامية، منذ بزوغ فجرها في القرن الأول للهجرة الى وقتنا هذا. غير أنّ خصوم الإسلام من الداخل والخارج، والعاملين على محاصرة الإسلام والمسلمين وتحويله أداةً وغطاءً لتحقيق أهدافهم السياسية، هي التي دفعت هؤلاء الى العمل ليل – نهار لتشويه حقيقة الدعوة الإسلامية التي جاء بها النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

ومن المعروف أنّ الإسلام من خلال مسيرته الطويلة، كان ولا زال مستهدَفاً من كثير من القوى داخل الوطن العربي وخارجه، لأنّ الإسلام هو القادر على توحيد البلاد العربية والإسلامية أو تكاملها وتعاونها، لتبقى وحدها صاحبة القرار في محيطها الإقليمي والدولي.

ومن أجل ذلك فإنّ عدداً من الباحثين الاستراتيجيين وأصحاب المشاريع على أرضنا، يعملون في استمرار على استهداف الدول العربية للنيل منها، وإيهام الرأي العام في الوطن العربي والإسلامي بأنّ الدعوة الوهابية تتحمّل مسؤولية ما يحدث على الساحة العربية والإسلامية. فالحقيقة أنّ وراء هذا التوجّه وهذا الإيهام والتضليل دولاً إقليمية ومنظمات صهيونية تلتقي مع المشروع الصفوي الفارسي من ناحية، ومع المشروع الصهيوني التلمودي من ناحية أخرى، وكلا المشروعين يستهدفان الإسلام وحركة التجدد والنهوض والوعي ما تحتاجه الأمة بين الحين والآخر.

وفي هذا السياق يأتي استهداف دعوة الشيخ المجدِّد محمد بن عبد الوهاب التي أيقظت الوعي الإسلامي في جزيرة العرب في بداية القرن الثامن عشر الميلادي، الموافق الثاني عشر الهجري.

ومن أجل ذلك فإنّ كل القوى المعادية للإسلام والمسلمين تستهدف المملكة العربية السعودية قيادةً وحكومةً وشعباً، ومعها دول مجلس التعاون الخليجي وبقية الدول العربية وخصوصاً الدول المؤثّرة في الإقليم العربي كمصر وسوريا والعراق وغيرها، بحجّة الإرهاب والتطرّف والغلو المرفوضة جميعها جملةً وتفصيلاً من الإسلام والمسلمين والتي عانت العربية السعودية وغيرها من الدول العربية كثيراً من هذه الحالات الإرهابية الشاذة والتي تحوّلت الى أدوات إقليمية ودولية لتشويه رسالة الإسلام وضرب البلاد العربية والإسلامية ومنع تعاونها وتكاملها بهدف ضرب خيريّتها التي أرادها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة، لقوله عزّ وجل: «كنتم خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».