لقد كان لافتاً للنظر طريقة تعبير الايرانيين عن بهجتهم في انجاز «الاتفاق النووي» مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة الى المانيا…
هو «النصر الالهي» خصّ به الله هذه الدولة ايران دون سواها… وعلى ما عودتنا الزمرة القابضة على السلطة هناك، فكل شيء صار «الهياً»… وكل انجاز هو «الهي»، وكل انتصار هو «الهي»؟! و… و…
لقد زج بالله، سبحانه وتعالى في كل شيء… في كل صغيرة وفي كل كبيرة، حتى الاسماء، التي تجاوزت كل عرف متوارث وكل تقليد، باتت الهية، من مثل «اية الله»… وهذا لم نسمع به طوال حياتنا، او نقرأ عنه، إلا يوم مجيء الخميني الذي «أودعه الله سرّه»؟!.
هذا «الانتصار الالهي» الذي لو دققنا في شروطه وبنوده، منذ لحظة بدء المفاوضات قبل سنوات، ومقارنة ما كانت مع ما وصلت اليه، لادركنا كم دفع الشعب الايراني من أثمان جراء عناد هذه الفئة الحاكمة، ومكابرتها وادعاءاتها التي أوصلت الايرانيين الى ما وصلوا اليه هذه الأيام؟. لعل السبب ان «الوحي الالهي» لم يحضر، خصوصاً واننا أمام أمور ليست عادية، فهي «الهية» وبحاجة الى «معالجة الهية»؟؟
ومع ذلك، فالجميع يتساءلون هل ستكون السياسة الايرانية اليوم، بعد الاتفاق، كما كانت قبل الاتفاق؟ وهي الدولة التي لم توفر مكاناً في المحيط القريب والبعيد، إلا ومدّت يداها اليه وعبثت به، من العراق، الى سوريا الى لبنان فاليمن، وتهدر مليارات الدولارات في حروب عبثية وفتن، في وقت يعاني شعب ايران الأمرين، الذي حرم من أبسط حقوقه في الحياة والكرامة وهناءة العيش… ونحن، لايزال أمام أعيننا مشهد الخيم التي يأوي اليها آلاف الايرانيين، من الذين تضرروا جراء الزلزال قبل نحو ثماني سنوات، ودمرت بيوتهم ولاتزال مدمرة، ولم يجدوا مأوى لهم بعد؟ ولم توفر لهم دولتهم العلية حقوقهم في العودة الى منازلهم؟
لا ننكر وقوف ايران معنا يوم حصلت حرب تموز، ومشاركتها الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية في اعادة اعمار ما تهدم… لكن هذا لا يعني ان هذه الفئة القابضة على السلطة قد وفت بالتزاماتها وواجباتها ازاء شعبها الذي يرزح، بغالبيته الساحقة تحت الخط الأدنى للفقر، واستحقت »الرضى الالهي».
وبالمناسبة تحضرنا هنا، قصة الشيخ الشيعي الذي كان في احدى سيارات التاكسي في العاصمة الايرانية، طهران، ولما عرّف عن نفسه بأنه لبناني، كيف هبّ في وجهه وراح «يمننه» قائلاً: «أنتم تأخذون أموالنا… وثرواتنا… وبدل ما يعمرو لبنان يتفضلو ويعمرو بيوتنا، ويشوفو كم نعاني…»؟!
أما وقد وفّر الاتفاق مليارات الدولارات، فإن السؤال المشروع، هو ماذا ستفعل ايران؟ وهل ستمضي القيادات الايرانية في سلوكها العبثي والتدخل في شؤون الدول العربية أم ستعيد النظر وتؤسس لمرحلة جديدة تضمن حسن الجوار والعلاقات وتوفر الاستقرار لهذه المنطقة؟! خصوصاً وان الاتفاق يلزم القيادات الايرانية بتوفير الحماية للاسرائيليين الذين هم على تناقض مع «حزب الله» المدعوم ايرانياً؟ فما العمل؟.
في مطلق الأحوال، علينا ان ننتظر لنرى كيف ستتصرف القيادة الايرانية، وكيف ستتعامل مع التطورات والمستجدات ليبنى على الشيء مقتضاه؟!
عوني الكعكي