IMLebanon

… وننتظر عند حافّة النهر

قبل عشر سنين تماماً، انسحب الجيش السوري الذي لم نصدّق يوماً انه سينسحب من لبنان، كما لم نصدّق يوماً أنه احتل لبنان للدفاع عنه، ولم نصدّق حتماً أنه أراد حماية المسيحيين. مثله مثل إسرائيل التي لعبت على الوتر الطائفي المذهبي للإيقاع بين اللبنانيين، فدفعت جماعة للتعامل معها بعدما حاصرتها مع آخرين فخنقتها، وحرّكت جماعات أخرى للانتقام منها لاحقاً. هكذا أمسكت زمنا باللعبة اللبنانية. ومثلها تماماً فعلت دمشق، التي أساءت الى لبنان الداخل، والى صورته في الخارج، فانتزعت منه حضوره الدولي تحت شعار “تلازم المسارين” و”وحدة المسار والمصير”، وسيطرت على القرار الداخلي تارة من خلال مخابراتها، وطوراً من خلال عملاء دُمى كانت تحرّكهم. ولم نسمع أحداً من حلفاء النظام السوري وأزلامه في الداخل اللبناني، يشرح لنا التلازم والوحدة، بعد أعمال التصفية التي ينفّذها النظام بأزلامه واحداً تلو الآخر، وما اذا كانت تلك الأعمال ستطاول “حلفاء” أولئك القتلى في لبنان لمحو كل آثار جرائم الحرب المرتكبة طوال أكثر من 30 سنة من الوصاية، وعشر سنين من التدخّل غير المباشر، وما اعتراف الوزير السابق ميشال سماحة سوى دليل على ذلك.

بالأمس قلنا إننا نريد عدالة لا انتقاماً لشهداء لبنان، وأيضاً للمفقودين في السجون السورية، وبالأمس قال وليد جنبلاط إنه ينتظر قتلَة والده عند حافة النهر، ونحن ننتظر معه. لا نريد شماتة بأحد، ولا نزال نؤمن بعدالة السماء أولاً، وبعدالة محكمة خاصة بلبنان ثانياً، إلا أننا نرى بأمّ العين كيف يتساقط القتلَة واحداً تلو الآخر، وبالطريقة نفسها التي قتلوا بها ضحاياهم.

بالأمس، أحيا لبنان الذكرى العاشرة لانسحاب الجيش السوري، وبلغ الصدى عاصمة الوصاية التي غاب منها غازي كنعان ورستم غزالة، وافتقدت الأمان، ورزح أهلها تحت قصف مشابه للذي كانت مدافع الجيش السوري تدكّ به بيروت، ولا ذنب لهم تماماً كما كنا في لبنان، بل هم ضحايا إرهاب النظام الذي انفجر في وجهه.

بالأمس عدت الى كلمات كتبها جبران تويني في اليوم التالي للانسحاب السوري عام 2005، ومما فيها:

“اللبنانيون لا يستطيعون أن ينسوا أن سوريا حكمت لبنان طوال ثلاثين عاماً وأفادت منه ومن ماله ومن خيراته، ومن جنى اللبنانيين وعرَقهم. وساهمت في تفتيت المجتمع العائلي والسياسي، وعملت على منع تلاقي اللبنانيين وتصالحهم تطبيقاً لسياسة فرّق تسُد، إضافة الى دورها في الحرب والخطف والقتل والتدمير والتهجير… إلا أن موقفنا من الوجود السوري وما أحدثه من صدْع بين اللبنانيين، لا يلغي رغبتنا الصادقة في إقامة أفضل العلاقات مع دمشق، وخصوصاً بعد جلاء جيشها عن لبنان، وفتح صفحة جديدة معها عنوانها الثقة والاحترام المتبادلان اللذان لا يمكن أن يتحققا إلا بعد استعادة المفقودين والمخطوفين والمسجونين في سوريا، بالإضافة الى إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين”.

وإذا كان الجيش السوري انسحب مُكرهاً، فإن الأكيد أن قيادته السياسية لم تعتبر من التطورات ولم تتّخذ قراراً بالرد على الكلمة بالحجة والمنطق، بل استمرت على المنوال الإرهابي نفسه، وهي اليوم تدفع أثمان ما جنَت يداها.