لا جدوى من الدعوات اليومية في الداخل والخارج الى انتخاب رئيس، وان كان تكرار الدعوات ضرورياً. فالشغور الرئاسي الذي يقترب من إكمال عامه الثاني له وظيفة محلية واقليمية لم تنته بعد. وسياسة تجميد لبنان في شرق أوسط متحرّك هي الإطار العام لتوظيف الشغور. إذ يلعب المنخرطون في تغيير المنطقة أو في منع التغيير أدواراً مكمّلة لما يدور على مسرح الحروب هي حراسة الستاتيكو عبر وضع المؤسسات اللبنانية في البراد الى ما بعد انتهاء الحرائق في سوريا والعراق واليمن وسواها. وليس من المفاجآت في سياق الأحداث وحسابات صراع المحاور ان يصارح الشيخ نعيم قاسم اللبنانيين بأن أزمة الرئاسة طويلة لأن ساعة التسويات في المنطقة لم تأت بعد. ولا أحد يعرف متى تنضج التسويات، الى حدّ ان البعض يرى في تقدير الحاجة الى سنة لتبلور الصورة نوعاً من التفاؤل لدى نائب الأمين العام لحزب الله.
وفي البدء كان الخطأ المقصود لدى طرف والتقليدي لدى طرف آخر: ربط الاستحقاق الرئاسي بالتطورات في المنطقة وخصوصاً حرب سوريا، ثم بالرهان على انتقال ايران والسعودية من الصراع الجيوسياسي المفتوح على أكثر من جبهة الى نوع من التفاهم أو أقله الى تخفيف التوتر. فالرئاسة في لبنان، وان جاءت على العموم كتسوية، ليست ولا يجب ان تكون جزءاً من التسويات الاقليمية الكبيرة بل هي خطوة ضرورية لكي تعمل آلة السلطة، بحيث يكون لبنان حاضراً عند التسويات الاقليمية والدولية وجاهزاً للافادة من ايجابياتها والحد من أية انعكاسات سلبية عليه. فلا بلد يذهب الى التسويات الكبيرة بلا رأس على أمل أن تساهم التسويات في تركيب رأس له. ولا شيء يضمن أن يحافظ لبنان على نفسه بعد اخراج مؤسساته من البراد، لأن ما يرافق التجميد هو الاهتراء، بحيث يصبح الخروج من الستاتيكو خطوة نحو الأسوأ، لا الأفضل.
والمعادلة بسيطة: اذا كان الخيار الرئاسي واضحاً ومحدداً، كما يبدو حالياً في الشكل والخطاب، فلا مبرر لأن تستمر أزمة الشغور الرئاسي. واذا كان الخيار المعلن حجاباً لخيارات لا مصلحة في اعلانها حالياً أو لتقطيع الوقت في انتظار تطورات دراماتيكية في المنطقة، فان اللعبة تتجاوز انتخاب رئيس الى اعادة هيكلة الجمهورية في اطار مشروع اقليمي كامل.
والسؤال هو: ما الذي يبقى من لبنان وللبنانيين اذا صار الفراغ هو الطريق الى اعادة تكوين السلطة؟ ماذا لو طالت أزمات المنطقة وحروبها وجاءت التسويات معاكسة للرهانات الخيالية وحتى الواقعية؟ ولماذا يجب أن تضمن دول اقليمية لنفسها مناطق نفود وأن يكون لبنان ساحة للنفوذ الاقليمي؟