IMLebanon

في انتظار… عهد وصاية جديد

يعيش لبنان هذه الأيام تجربة حكم جديدة، تفرض على حكامه المحلّيين وهم كثر تعاطياً جديداً مع إدارتهم اليومية للملفات الداخلية، تعاطٍ لم يعرفوه سابقاً كونهم اتّكلوا فيما مضى على وصي أو ولي خارجي يفرض أو يقترح عليهم الحلول ويجد لهم المخارج. فوطن الارز عرف في السنوات المنصرمة أنواعاً من التدخلات، وأزمنة من الوصاية غريبة وطويلة في آن معاً.

فعند البدء بتطبيق «الطائف» عام 1990، حُكم لبنان مباشرة بواسطة النظام السوري الذي أدار الملف اللبناني بتفاصيله اليومية، وكان يتدخل في كلّ شاردة وواردة، مرتاحاً لوضعه كونه كان يتمتع بغطاء اميركي وبطلب أوروبي مباشر وبمباركة عربية واسعة وبرضى سعودي.

مع انفراط هذا الحلف وانسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، حكم لبنان بشكل غير مباشر بواسطة القرارات الدولية التي كانت تهبط عليه كلما اهتزّت أوضاعه الداخلية، اضافة الى التفاهمات الاقليمية والدولية التي فرضت إجراء انتخابات نيابية عام 2005 وفقاً لقانون تمّ إقراره أيام التعاطي السوري في الملف اللبناني.

ثمّ ألزمه «اتفاق الدوحة» برئيس للجمهورية عام 2008 بعد أزمة سياسية وأمنية امتدت طوال 18 شهراً، كما أفرز الاتفاق قانوناً جديداً للانتخابات انبثق منه مجلس نيابي عام 2009 ما زال موجوداً بفضل قوانين التمديد.

هذا التوافق الدولي والاقليمي على ادارة الملف اللبناني، سرعان ما انفرط عقده مع اندلاع الانتفاضات العربية، واختلاف الحلف السوري الايراني مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية في إدارة المنطقة ولبنان تحديداً، اضافة الى ابتعاد اميركا من وحول الملف اللبناني المباشر إلّا فيما يتعلق بالقضايا التي تتعلق بإضعاف «حزب الله».

هذا الاختلاف بين قوى متعادلة في الاحجام، إن لناحية الحضور الاقليمي أو لناحية تأثيرها على التوازنات الموجودة في الساحة اللبنانية، فرض نوعاً من الابتعاد عن القرارات الداخلية اللبنانية المباشرة، وأضحى معها لبنان يعرف نوعاً من السيادة والقرار الحر لم يتمتع بهما منذ سنوات، هذه التجربة الجديدة أضاعت معظم الساسة وألقت على كاهلهم مسؤوليات لم يرغبوا يوماً في تحمّلها، ما أدخلهم وأدخلنا في دوامة من الصعب الخروج منها… كما ساهمت في تحرّر القواعد الحزبية من الالتزام المباشر والحاد نتيجة انفراط التحالفات التي عرفها لبنان منذ العام 2005 وتمثلت بتحالفي «8 و14 آذار»…

هذه التطوّرات أدخلت لبنان في الوقت الضائع ودفعت القوى السياسية الى تقسيم اهتماماتها الى قسمين أساسيّين، تعاطيها مع قواعدها، وإدارتها للملفات الادارية والسياسية.

في القسم الاول، انقسمت القوى والأحزاب السياسية الى قسمين، الأوّل اعتبر أنّ التعاطي مع ناسه يفرض عليه الاستماع الى مطالبهم وطموحاتهم والتعاطي مع ملفاته الداخلية بأسلوب جديد اقرب بالشكل منه الى تعاطي الأحزاب الغربية مع قواعدها… أما القسم الثاني فرفَع شعار المحاسبة وسيف القصاص في وجه مطالب وتحرّر محازبيه، في محاولة يائسة منه ليَستعيد هيبة فقدها بفضل تصرّفاته مع ناسه.

أما في ما يخص الملفات اليومية والاستحقاقات الدستورية والسياسية، فالتحديات الجديدة فرضت على القوى التوحد خلف توجّه واحد ألا وهو الهروب الى الامام في انتظار اشارة اقليمية تساهم في تبدل المشهد الداخلي أو تضع لبنان تحت وصاية جديدة، تريحها من ايجاد المخارج وتساعدها على ادارة الملف اللبناني الشائك.

في الاختصار تعيش القوى السياسية على امل واحد، أن يؤدّي تبلور الاحداث في المنطقة الى تعيين وصيٍّ جديد على لبنان، يحافظ عليها ويساعدها على إطفاء مشكلاتها البيتية، ويحدّد لها بوصلة تعاطيها في الملفات السياسية… وكلّ ماعدا ذلك لعب في الوقت التائه.