IMLebanon

في انتظار حلب أو دير الزور؟

 

لا مفاجآت دراماتيكية منتظَرة قريباً من شأنها تغيير مسار الواقع السياسي ومستقبل الأزمة اللبنانية، فكلّ المعطيات الماثلة تدلّ إلى أنّ هذه الأزمة مستمرّة إلى أجل لا قدرة لأحد على تحديد موعده.

يقول قطب سياسي بارز يتابع يومياً مجريات الأحداث والتطورات المحلية والإقليمية والدولية إنّ كلّ ما يجري حالياً لا يعدو كونه حركة في فترة الوقت الضائع التي لم تنتهِ بعد، ولن تحقّق أيّ نتائج عملية على مستوى معالجة الملفات التي تتناولها، لا على صعيد الاستحقاق الرئاسي حيث التعقيدات ما تزال كبيرة، ولا على صعيد قانون الانتخاب حيث التباينات كبيرة أيضاً بسبب إصرار بعض القوى السياسية على أن يأتي هذا القانون محقّقاً لها الغلبة على الآخرين.

أمّا بقية الملفات فحدِّث ولا حرج، إذ إنّ أيّاً منها لم يلقَ المعالجة الناجعة، بل عولجَ على زغَل، كملف النفايات الذي ينتظر أن يتجدّد الخلاف حوله في وقتٍ ليس ببعيد، على حدّ ما تلوّح بعض القوى والجهات السياسية.

ويعزو القطب تأخّرَ الحلول لأزمة لبنان، وتالياً للأزمات الإقليمية إلى أنّ المحورين المتنازعين على ساحة المنطقة من اليمن إلى البحرين والعراق وسوريا ولبنان لم يشعر أيّ منهما أنّه أمسَك بأوراق القوّة التي تعزّز موقفَه على طاولة التفاوض لإنتاج تلك الحلول، وطالما إنّ أيّاً مِن هذين المحورين لم يمتلك بعد هذه الأوراق فسيستمرّ في الحرب، فإمّا يصل إلى مبتغاه، وإمّا ينهزم، ويذهب عندئذ إلى المفاوضات ويَقبل بحصّة في الحلول تكون على مقدار حجمِه على أرض الواقع.

ويشدّد القطب نفسُه على أنّه مهما بلغت ضراوة المعارك التي قد تمتدّ لثلاثة أشهر فإنّ النظام وحلفاءَه ليسوا في وارد التراجع أو القبول بأيّ هزيمة، لأنّهم يدركون أنّ استعادة حلب أو دير الزور ستغيّر مسار الأزمة السورية ومصيرَها في الاتّجاه الذي يَحفظ وحدةَ التراب السوري ويمنع أيّ مشاريع تجزئة أو تقسيم يمكن البعض أن يطرحها في مرحلةٍ ما.

ويقول القطب نفسه إنّ الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حافلة بالاستحقاقات الاقليمية والدولية، ففي الإقليم تلوح في الأفق استعدادات النظام السوري وحلفائه لمعركتَي استعادة حلب ودير الزور، وهناك نقاش في مَن تكون لها الأولوية، حلب أوّلاً أم الدير؟ أم العكس؟ وأيّ منهما الأكثر حيويةً وجدوى بالنسبة إلى تحقيق الحلّ السياسي في مفاوضات جنيف وغيرها؟

وفي المقابل فإنّ خصوم النظام يخطّطون لخوض معارك ضدّه بحيث تَحول دونَ تمكّنِه من استعادة أيّ من حلب ودير الزور وأريافهما، وقد حصَلوا على ما يبدو، أو أنّهم يَعملون حالياً للحصول على أسلحة فعّالة تُمكّنهم من تحقيق توازن عسكري ميداني في مواجهة النظام وحلفائه، بما يمنعه من استعادة أيّ من المدينتين وأريافهما.

وفي هذه الأثناء، وعلى رغم الأزمة السياسية الداخلية فإنّ قوات الجيش العراقي و»الحشد الشعبي» تستعدّ لمعركة استعادة الموصل من «داعش» الذي يتحصّن فيها ويعمل للاحتفاظ بها كظهير له، فيما يخوض معاركه في سوريا.

أمّا في اليمن فإنّ المعارك ما تزال مفتوحة على كلّ الاحتمالات، على رغم المفاوضات الجارية في الكويت والتي لا يتوقع لها أن تنتهي إلى اتّفاق بين المتنازعين في خلال جولة أو جولتين فقط، فهي مفاوضات بدأت ولكن لا يمكن أحد التكهّن بموعد توصّلِها إلى النتائج المرجوّة منها.

ويرى القطب السياسي نفسُه أنّ معالجة الأزمات الإقليمية ربّما ستتأخّر إلى ما بعد الاستحقاق الرئاسي الأميركي المقرّر في الخريف المقبل، ويَعتبر أنّ رهان البعض على أن ينتهي هذا الاستحقاق بانتخاب رئيس ديموقراطي كأوباما أو انتخاب «جمهوري» يخلف «الديموقراطيين» في الرئاسة الأميركية، ليبنيَ على الشيء مقتضاه، هو رهان غير واقعي، فمَن يتوقّع عودة الإدارة الأميركية إلى شنّ الحروب في المنطقة في حال تبوَّأها رئيس جمهوري إنّما ينسج في الهواء، لأنّ الولايات المتّحدة الأميركية وصلت إلى مرحلة لم تعُد قادرة فيها على شنّ مِثل هذه الحروب، سواءٌ كان رئيسها «جمهورياً» أو «ديموقراطياً»، علماً أنّ واشنطن بدأت تتخلّى بنحو أو آخر عن «الحروب الناعمة» التي شنّتها الإدارة الديموقراطية الحالية برئاسة باراك أوباما وأثبتَت عدمَ جدواها، تماماً كالإدارة السابقة الجمهورية التي اكتشفت متأخّرةً أنّ حروب «الفوضى الخلّاقة» التي شنّتها أثبتت فشلَها في تحقيق ما سعت إليه الولايات المتحدة الأميركية من أهداف مرحلية واستراتيجية.