من دون مواربة، قررت إيران أن يرد جيشها أو حرسها الثوري، من دون خجل أو وجل، على العدو، وأن يصيب في جسمه العسكري ضرراً وألماً يحاكي ما أصاب الجسم العسكري الإيراني، بل ربما أكثر!
صحيح أن الجمهور يحب أن يتسلى بالأسئلة إياها عن: متى وكيف وأين؟ لكن لا إيران ولا العدو يحتاجان إلى طول وقت للتيقن من أن الضربة ستكون مباشرة للجيش الإسرائيلي، وأن الوقت ليس طويلاً جداً، وأن ساحته فلسطين وجوارها. الأكيد، وهو ما يحتاج الجمهور لأن يعرفه وليس المعنيون بالامر، هو أن إيران ستتولى المهمة بنفسها، وهي لا تحتاج إلى حليف ينوب عنها، ولا إلى قناع يخفي وجهها. عدا عن أنه لا تنقصها الامكانية ولا الإرادة ولا الشجاعة على الفعل. وكل ما علينا، نحن المنتظرين، أن ننتظر. وإذا كنّا من أعداء إسرائيل، لنشعر من الآن بأنّ ما حصل سيكون له جوابه الأقسى. أما من هو في صفوف أعداء إيران، فليس له سوى الاستعانة بمشايخ المعارضة السورية، للاكثار من الصلوات والدعاء الذي لا تستقبله السماء.
لكن، لماذا الرد حتمي؟
أولاً، هناك أمر بديهي يجب التذكير به، وهو أن إيران في حالة حرب معلنة مع إسرائيل. وهي لا تريد الاعتراف بإسرائيل حتى ولو اعترف بها العالم كله، وتعتبر أن واحدة من مهامها إزالة هذا الكيان، وإعادة الأرض إلى أصحابها، وتخليص شعوب المنطقة من هذا الشر.
ثانياً، إيران تدعم علناً، ومن دون توقف، سائر الدول والقوى والجهات المعادية لإسرائيل، ليس في فلسطين فقط، بل في كل العالم. وما قدمته إيران، ولا تزال، ما هو إلا عملية تنفيذية لقرار استراتيجي رافق الإمام الخميني بعد وصوله إلى قيادة إيران قبل أربعة عقود.
ثالثاً، الوجود الإيراني، السياسي والعسكري والأمني، في سوريا لا يهدف فقط إلى مساعدة الدولة السورية على مواجهة مشاريع تدميرها، بل له دور مركزي في تعزيز جبهة المقاومة لإسرائيل. ومنافع هذا الوجود على جبهة المقاومة ربما تكون أكبر بكثير مما يقدّر كثيرون. وربما، أيضاً، هذا ما دفع العدو إلى تنفيذ الغارة إيّاها.
طهران سترد مباشرة وليس بالواسطة واحتمالات تدحرج الحرب ترتفع
رابعاً، إسرائيل نفسها تعرف أنّ إيران لا تتوقف عن دعم كل ما يؤدي إلى إزالتها، وهي لا تتوقف عن الصراخ لاقحام العالم كله في حرب مع إيران لتتخلص من تهديد طهران الاستراتيجي.
هذا في المبدأ. أما في الوقائع، فقد كان العدو ينظر بقلق إلى الوجود الإيراني في سوريا منذ اليوم الأول للأزمة. لكن منسوب القلق ارتفع اكثر، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، عندما لمس فعالية الدور الإيراني في مساعدة الرئيس بشار الأسد على استعادة السيطرة على معظم سوريا. وزاد القلق عندما لمست إسرائيل أنّ طبيعة التفاهمات القائمة بين إيران وروسيا لا تشمل أي ضمانة تريدها إسرائيل لأمنها. بل على العكس، تيقّن العدو من أن الوجود الإيراني في سوريا، ينعكس تعاظماً في قوة حزب الله، وفي استعادة التواصل مع قوى المقاومة في فلسطين، وفي جعل الوقائع على الأرض الممتدة من لبنان إلى سوريا فالعراق، تسير في اتجاه قيام وضعية استراتيجية تشكّل الخطر الفعلي على مستقبل إسرائيل.
ورغم أن العدو حاول مراراً وتكراراً الحصول على نتائج تتعلق بوقف التمدد الإيراني في سوريا، إلا أنّ تل أبيب راهنت على تورّط الغرب في مواجهة مباشرة مع إيران في سوريا وغيرها من الساحات، وهو ما لم يحصل. الأمر الذي جعل العدو يجد نفسه، ووفق حساباته، مضطراً للقيام بالمهمة وحده. ولما حصلت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على معلومات «غاية في الخطورة» عن مضمون الوجود الإيراني في مطار «تي فور» بادرت باتخاذ قرار يمثّل عنصر مفاجأة لناحية جرأته، لكنه لا ينمّ بالضرورة عن وعي لمخاطر العدوان، وربما كان مستنداً إلى تقدير ميداني غير دقيق، أو جاء في سياق ما كان الأميركيون والغرب يعدّون له من عدوان على سوريا. لكنه، في النهاية، عمل عكس حتمية المواجهة المباشرة التي تريدها إسرائيل مع إيران. وهذا ما يفرض عليها الاستعداد لتبعاتها.
أسابيع قليلة تفصلنا عن موعد 12 أيار، حيث يتوقع أن يواصل دونالد ترامب مغامراته بالتنصل من الاتفاق النووي مع إيران. حينها، سيرتفع منسوب التوتر في كل المنطقة، وستشعر إسرائيل قبل غيرها بالسخونة. فماذا ستفعل؟ هل فيها من يراهن على تورط الجيش الأميركي في حرب مشتركة معها ضد إيران؟ أم أن في تل أبيب من يعتقد بأن طهران لا تملك الجرأة على الرد؟
كل ما علينا مراقبته وقياسه، في المرحلة المقبلة، هو مسار الأمور. إسرائيل اعتدت لفرض معادلات. وإيران سترد لانهاء مفعول الاعتداء الإسرائيلي. إسرائيل لن تقدر على الصمت لأنها تعرف أنها هزيمة متمادية وليست ضربة واحدة فقط. فكيف سترد؟ هل تصعد إلى أعلى الشجرة، ولا تجد من يقدم لها سلّم النجاة، أم ستعود إلى مربع انتظار مصيرها المحتوم!