IMLebanon

في انتظار “كمب ديفيد” خليجي – إيراني!

في كلمته الى الرأي العام الاميركي، أشاد الرئيس باراك أوباما بإنجاز تفاهم تاريخي مع إيران، قال إنه سيمنعها من امتلاك سلاح نووي، ويُبعد عن المنطقة خطر انفجار حرب أخرى. وفي طهران، رحّب الرئيس حسن روحاني بالاتفاق، معتبراً أنه سيفتح صفحة جديدة في علاقات إيران الخارجية.

مع أن الكلمة الفصل في المفاوضات تعود الى مرشد النظام علي خامنئي، إلا أن روحاني نجح في إقناعه بأهمية مردود الاتفاق السياسي على إنعاش الاقتصاد المتردّي.

ولكن المفاوضات العسيرة مرت بسلسلة خضّات كادت تطيح محمد جواد ظريف ومعاونيه. والسبب أن علي خامنئي لم يكن يريد اتفاقاً يخدم خصومه الإصلاحيين. لذلك تعمّد مراقبة الجلسات بواسطة عباس عراقجي، أحد ضباط الحرس الثوري السابقين. وقد أدى مهمته بكل أمانة بحيث كان يستمع الى تسجيلات وقائع الجلسات. وحدث مرة ان تعرض الوزير ظريف للمساءلة والتشكيك كونه تنزّه وحده مع الوزير الأميركي جون كيري من دون أن يصطحب معه أحد مراقبي النظام.

وقد حرص الرئيس روحاني على إرسال أخيه عباس الى فيينا وجنيف ولوزان، بهدف متابعة تفاصيل المفاوضات، والتأكد من استئناف حلقاتها بانتظام.

تقول الصحف الفرنسية إن المفاوضات تعثّرت في بداية انطلاقتها، خصوصاً عندما عطّل علي أكبر ولايتي مستشار المرشد، الإجراءات المفضية الى التنازل عن بعض الشروط الحيوية. أي شروط مقايضة طاقة التخصيب الإيرانية بعودة السيولة المجمّدة في البلدان الأجنبية. وتبلغ عائدات إيران المجمّدة في مصارف آسيا وحدها 130 مليار دولار. ومنذ تشرين الثاني الماضي، سمحت واشنطن لطهران بتسلّم مليار دولار في الشهر من كوريا الجنوبية عبر سلطنة عُمان.

العائق الآخر الذي زعزع ثقة الوفد الإيراني بنتائج المفاوضات، أثاره الكتاب المفتوح الذي أرسله عضو الكونغرس توم كوتن الى القيادة الإيرانية. وجاء في الكتاب أن 46 شيخاً جمهورياً وقّعوا عريضة ترفض الاتفاق المزمع تحقيقه.

واستغل الوفد الإيراني هذا الكتاب للتشكيك بقدرة المفاوض الأميركي على تنفيذ وعوده في حال امتنعت الغالبية الجمهورية في الكونغرس عن رفع العقوبات.

والثابت أن الوزير الإيراني ظريف تعمّد تجاوز هذه الفترة بالتعاون مع الوزير جون كيري، لأن توصيات الرئيسين تُلزمهما بذلك. خصوصاً أن الرئيس روحاني يراهن على إعادة انتخابه سنة 2017 في حال نجحت حكومته في التوصل الى اتفاق شامل. علماً أنه فاز في انتخابات صيف 2013، بعدما تعهّد للشعب بإنهاء الملف النووي، وتحسين الوضع الاقتصادي، وإخراج بلاده من عزلتها الدولية.

السبت الماضي، تناقلت وسائل الإعلام خلاف واشنطن وطهران حول تفسير اتفاق لوزان بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني.

وكان لافتاً تصرّف مرشد النظام علي خامنئي الذي عبّر عن موقفين متناقضين بواسطة أنصاره.

ففي الجانب السلبي، قدّم مساعده لشؤون الإعلام حسين شريعتمداري، سلسلة اعتراضات بدأها بالقول إن الولايات المتحدة تسعى الى إضعاف إيران من طريق تفتيش الصناعات الصاروخية والوصول الى أسماء العلماء والخبراء.

وبما أن شريعتمداري يتولى رئاسة تحرير صحيفة النظام “كيهان”، فقد كان لاعتراضاته الأثر الكبير على الرأي العام.

وقال ايضاً: “إن القرار الذي سيصدره مجلس الأمن بصفته يمثّل ضمانة للاتفاق والتزامات مُلزمة للجانبين، سيكون تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. وهذا يعني أن إيران تعترف بأن برنامجها النووي كان وما زال يهدد السلام والأمن العالميين”.

أما في الموقف الايجابي لمرشد النظام، فقد أعلن قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري، دعمه لوفد بلاده بإشراف وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

وأبلغ ظريف البرلمان في جلسة مغلقة، بأن بلاده لن تنفّذ التزاماتها الواردة في اتفاق لوزان، الا بعد صدور قرار ملجس الامن تحت الفصل السابع، وأكد للنواب ان العقوبات المفروضة على طهران ستُلغى دفعة واحدة في حال التوصل الى اتفاق نهائي بحلول أواخر حزيران المقبل.

في هذا السياق، اعتبر نائب وزير خارجية إيران عباس عراقجي، ان تفسير البيت الابيض للاتفاق، لا ينسجم مع ما توصل اليه الجانبان.

وحول هذا الموضوع، قال وزير خارجية السعودية الامير سعود الفيصل بأن السياسة العدوانية التي تنتهجها ايران حيال المنطقة، وتدخّلها المتواصل في شؤون الدول العربية، يجب الا يقابلا بصفقات لا تستحقها.

الرئيس اوباما اعترف في تصريحاته بأن الاتفاق يمثّل تقدماً نحو تقييد البرنامج النووي الايراني لمدة عشر سنوات وأكثر. وقال ان الادارات الاميركية المقبلة ستمنع طهران بالقوة اذا حاولت تجاوز العتبة النووية، او انتاج أورانيوم مخصّب. ولكنه اقر في الوقت ذاته بأن واشنطن لا تعمل على تفكيك البرنامج النووي الايراني… بقدر ما تعمل على منع الايرانيين من تحويل بنيتهم التحتية النووية سلاحاً نووياً. لهذا السبب وسواه، ستبقى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مستنفرة دائماً من اجل مراقبة المفاعلات النووية الايرانية.

ثم استطرد الرئيس اوباما في تفسير دور بلاده حيال ايران، وما اذا كان الاتفاق يتضمن نصاً يتعلق بسلوك طهران، او كبح تدخلها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وكل ما يهدد أمن المنطقة.

قال ان اي اتفاق نووي لن يسوّي الخلافات القائمة بيننا وبين ايران. وهذا يعني ان ايران ستستمر في تمويل “حزب الله”… وستواصل دعمها لنظام البراميل المتفجرة، أي نظام بشار الاسد… ولن تتوقف عن إرسال سلاح للحوثيين في اليمن، الامر الذي يساهم في زعزعة استقرار تلك البلاد.

وكان بهذا الجواب، يحدّد اهداف المفاوضات، ويعترف بأنه لا يريد تجاوز الخط الاحمر، الذي رسمه محمد جواد ظريف.

وبعد اعلان التوقيع، حرص الرئيس اوباما على الاتصال بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ليبلغه التوصل مع ايران الى اتفاق اطار في شأن برنامجها النووي. وأكد له ان الولايات المتحدة مهتمة بنشر السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وعبّر له الملك سلمان، عن أمله في التوصل الى اتفاق نهائي ومُلزِم يؤدي الى تعزيز الامن والاستقرار في المنطقة وسائر دول العالم.

وربما وجد اوباما في كلام العاهل السعودي، حافزاً لتوسيع اطار مرحلة التفاهم بحيث تشمل دول مجلس التعاون الخليجي. لذلك تعمّد اجراء مقابلة سجّلها في جريدة “نيويورك تايمز” المعلّق توماس فريدمان.

وأكد اوباما في حديثه انه في صدد دعوة زعماء دول مجلس التعاون الخليجي خلال الشهر المقبل، بهدف إجراء محادثات تتعلق بمخاوف هذه الدول من تقارب بلاده مع ايران. وقال ايضاً انه يريد مناقشة الحلفاء في الخليج، مع البحث عن كيفية بناء قدرات دفاعية اكثر كفاءة… واكثر تطميناً بأن الولايات المتحدة ستمنع عنهم الاعتداء الخارجي.

ومع التعهد بتخفيف وطأة المخاوف، يتوقع أوباما ان يتحوّل منتجع “كمب ديفيد” الى ملتقى حوار مثمر يشترك فيه مسؤولون ايرانيون مع مسؤولين خليجيين.

وفي آخر حديثه مع فريدمان تساءل الرئيس الاميركي باستغراب: لماذا لا نرى عرباً يحاربون الانتهاكات الفظيعة التي تُرتكب ضد حقوق الانسان… او لماذا لا يقاتلون ضد ما يفعله الرئيس السوري بشار الاسد؟

وقد تلقّى أوباما رسائل الكترونية عدة بعث بها معارضون سوريون، يسألونه باستهجان ويعلّقون على استغرابه بالقول: ولماذا تراجعتَ أنت عن ضرب هذا النظام، علماً بأنك استنفرت قواتك بغرض تأديبه ومنعه من استخدام السلاح الكيمائي؟!