في توقيت لافت وبالغ الدلالة والاهمية، غادر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، قبل أيام، الى المملكة العربية السعودية، في زيارة وصفت بـ»العائلية« وأحيطت بغياب اعلامي غير مسبوق..
الزيارة تقاطعت مع البيان الذي صدر الثلاثاء الماضي، عن »مصدر مسؤول« في الخارجية السعودية، نفى فيه ما ورد على لسان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لجهة اتهامه المملكة باحتجاز الرئيس الحريري (في تشرين الثاني الماضي..) ومؤكداً ان هذا »كلام غير صحيح..« وبأن المملكة كانت ولاتزال تدعم استقرار وأمن لبنان وتدعم دولة الرئيس الحريري بكافة الوسائل..«.
في اليومين الماضيين، تداولت بعض وسائل الاعلام، معلومات عن ان الرئيس الحريري قد »يعرج« على فرنسا للقاء الرئيس ماكرون، قبل عودته، المطلوبة وبإلحاح الى لبنان.. وفي قناعة عديدين، ان زيارة الحريري الى السعودية طبيعية جداً، ومتوقعة، حيث ان أحداً لا ينكر أهمية الدور والمكانة التي تحظى بهما المملكة، وهي التي لم تختلف يوماً عن الوقوف الى جانب لبنان، واللبنانيين، من دول أي تمييز بين فئة وفئة، او منطقة ومنطقة، وفي أدق الظروف وأخطر المراحل التي مر بها هذا البلد.. وهي الدولة التي لها ثقل دولي واقليمي بارز في ظل ظروف وصراعات وحروب داخلية، لم يبق لبنان بعيداً عن تداعيات ما يجري، خصوصاً، وان ايران اللاعب الاساسي في هذه الحروب لها امتدادات مؤثرة في لبنان وسوريا، والجميع بات يبدي قلقاً لافتاً من أزمة النزوح السوري التي تشكل، بنظر البعض، عبئاً لا يحتمل على الأوضاع في لبنان، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بل والامنية..
الجميع ينتظر عودة الرئيس الحريري.. والايام تمضي على الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس المكلف تأليف الحكومة الجديدة، وقد خلصت الى توافقات مع »الثنائي« الرئاسي، العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري على خريطة طريق المرحلة التالية، تنطلق من قاعدة التوافق على »تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة« لا تستثني أحداً من الافرقاء السياسيين اللبنانيين.. ولبنان اليوم يواجه تحديات كبيرة، خارجية وداخلية، والتصعيد الاقليمي – الدولي الجاري عسكرياً فوق مسرح العمليات السورية، وسياسياً وعسكرياً في فلسطين المحتلة، بعد الخطوة المرفوضة بنقل السفارة الاميركية الى القدس، واستراتيجيا بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع ايران.. كلها على ما يقول الرئيس الحريري »أسباب لمضاعفة الجهود لمواصلة حماية لبنان من المخاطر المحيطة.. وعلى رأس هذه الجهود الاسراع في تشكيل الحكومة..«.
لم يتم التأكيد بعد، من ان الرئيس الحريري سيزور فرنسا قبل عودته الى لبنان، ومن الطبيعي، ان حصل ذلك، فهو سيلتقي الرئيس ماكرون، وستكون التطورات الاخيرة مادة أساسية في اللقاء، خصوصاً، وان ما قاله الرئيس الفرنسي قبيل توجه الحريري الى السعودية، اثار العديد من الاسئلة والتساؤلات حول التوقيت والمعنى والدافع لذلك، وما اذا كان يرمي الى احراج الحريري، او »تمنينه« او غير ذلك.. خصوصاً وان العلاقة بين الرجلين (ماكرون والحريري) موصوفة بأنها »جيدة«، وقد ترجمت بوضوح في تشرين الثاني الماضي، وما قيل عن دور مؤثر وفعال لعبه الرئيس ماكرون مع المملكة العربية السعودية، من أجل ان يعود الرئيس الحريري عن استقالته من الحكومة، من الرياض..
ما قاله ماكرون قبيل توجه الحريري الى الرياض مطلع الاسبوع، واستحضاره ما حصل، »لم يكن بريئاً«، في نظر البعض، وان لم يصدر عن الرئيس الحريري او أي مصادر مقربة منه أي موقف او ردّ او تعليق، ما يعني في نظر البعض، أنها »غيمة صيف عابرة..« ولا تؤثر على متانة العلاقات لا مع السعودية، ولا مع فرنسا، وان كان الرئيس الفرنسي الشاب، ومنذ وصوله الى سدة الرئاسة الفرنسية، شكل حالة اثارت العديد من الاسئلة والتساؤلات وما يمكن ان تحدثه من تطورات ترافقت مع سلسلة اجراءات، لرسم خريطة تحالفات دولية جديدة، تعيد لاوروبا دورها المستقل بعيداً عن القطبية الثنائية (الولايات المتحدة وروسيا)، وقد حقق نجاحاً مبدئياً في ذلك تمثل بتأسيس »تحالف أوروبي« من العديد من الدول البارزة، عارض سلوكيات الرئيس الاميركي دونالد ترامب في العديد من الملفات، من بينها »النووي الايراني« وانسحاب أميركا من الاتفاق..«.
في قناعة متابعين للعلاقات الفرنسية – السعودية، والفرنسية اللبنانية، ان متانة العلاقة بين ماكرون والحريري لن تكون على حساب علاقة الاخير بالمملكة، وان لم يكن في باله المفاضلة بين الدولتين.. وهو الذي يشدد على الدوام، على عروبة لبنان وتعزيز علاقاته مع دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تستضيف عشرات الوف اللبنانيين العاملين هناك، عدا اسهاماتها التاريخية في اعادة اعمار لبنان الذي دمرته »الحروب الاصلية« الداخلية، التي كان ماكرون عاد وذكر بها..
في الخلاصة، ان الرئيس ماكرون، اذا كان يريد احراج الحريري، فلن يصل الى مبتغاه، ولن يكون لصالح العلاقات اللبنانية – الفرنسية، التي يتطلع عديدون الى اعادة الحياة الى شرايينها السياسية والاقتصادية والثقافية.. على نحو ما شدد عليه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي خلال لقائه ماكرون قبل أيام، لجهة »أهمية احياء الفرنكوفونية..«.
ماكرون ذكّر بواقعة.. السعودية نفت.. والرئيس الحريري في الرياض، ولبنان على اعتاب مرحلة يرى فيها عديدون »فرصة ذهبية«.. مقابل آخرين لم يخفوا قلقهم من ان تنقلب الصعوبات والسجالات والشروط والشروط المضادة التي تواجه تأليف الحكومة الى أزمة مفتوحة تنتظر، كما جرت العادات، تدخلات خارجية فاعلة؟!