ماذا بعد حملات غبطة البطريرك ضد الفساد وتحذيره من انهيار الوضع الإقتصادي في البلاد الواقفة على شوار السقوط المريع، وماذا بعد حملته على مراسيم التجنيس التي مرّت على لبنان واللبنانيين بصورة متخفّية كأن العلم بها يدخل في إطار الممنوعات، وماذا بعد المواقف المماثلة لمفتي الجمهورية اللبنانية والتي تجاوز بصددها موقف البطريرك المارني إلى درجة اعتبر فيها أن واقع الأوضاع اللبنانية قد بات جملة من القرارات والمواقف الصادرة عن مجموعة من الدويلات الطائفية والتي تستقل فيها كل طائفة عن الأخرى فيما تراه كل منها وتستسيغه في مجابهاتها المتناقضة والمتناهضة على كل صعيد.
ماذا بعد؟ مع أن مواقف معظم الزعماء والسياسيين ورؤساء الأحزاب وقادة الطوائف ومعظم من بيدهم مقاليد الأمور ومفاتيح تسييرها، «يناصرون» دعوات القيادات الروحية ضد الفساد، وضد المقررات المتخفية التي تصدر عن جزيئات سلطوية تتجاهل وجوب اعتماد المقاييس الدستورية والقانونية بشكل واضح وغير قابل للتفسيرات المتناقضة والتأويلات التي ما انزل الله بها من سلطان ومن قوانين ومن قواعد وأعراف. ومن المعروف أن أبرز من كانت لهم اعتراضات واقتراحات بشأن الفساد، حزب الله، ممثلا بالسيد حسن نصرالله وتصريحاته بهذا الصدد، إضافة إلى تصريحات متلاحقة لعدد من المسؤولين في الحزب وصلت إلى حد المطالبة باعتماد وزارة أصيلة ودائمة لشؤون الفساد وشجونه وبرغبته بأن تكون هذه الوزارة في عهدة الحزب ومن حصته في الوزارة المقبلة.
حتى إذا ما جاء دور المواطنين الذين يتلقون بصدورهم وجيوبهم ولقمة أبنائهم، نتائج هذا الفساد، فالمطلوب منهم من قبل معظم الزعماء والمسؤولين وممثليهم في السلطة وفي عمليات القبض والقنص والنهب، أن يتقبلوا التصريحات المتنصلة من مسؤوليات جرائم الفساد المستمرة، وأن يصدروا براءات ذمة تهضم بموجبها تلك الجرائم الفاضحة وتقذف بها إلى مواقع النسيان، واستطرادا، المطلوب من المواطنين المعانين والمكابدين، التعامل مع هذا الأمر الملتبس من خلال مبدأ عفاالله عما مضى، كما والمطلوب من الغارقين في لجّة الفساد، الممثل كل منهم بوجوه مستعارة ووكلاء وشركاء معروفين بالأسماء المحددة، أصبحوا هم بدورهم منتمين إلى طبقات إقتصادية قادرة وفاعلة بما باتت تملكه من ثروات آلت إليهم عن طريق الغش والخداع والذمة الواسعة التي تهضم ما لا يمكن هضمه من صاحب أي ضمير حي.
ونعود إلى ما تفتقت عنه معلومات الأيام الماضية مما أبرز للملأ اهتزازا جليا في النظرة إلى الممسكين عن حق وحقيق بمفاتيح القرارات التي يقتضي صدورها عن السلطات الرسمية المسؤولة، ممثلة على وجه الخصوص بمجلس الوزراء الذي يحق له بتصويت أعضائه وباغلبية الأصوات القانونية، اصدار القرارات والأنظمة والتوجيهات، وخاصة منها القرارات الهامة وذات العلاقة بالقرارات السيادية والميثاقية والتي تمس بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالمشيئة الوطنية الموحدة وسمعة الحكم في حال تجاوز الحدود المحددة لقراراته المختلفة بقوانين وأنظمة وأعراف، والتي يقتضي أن تكون مكللة دائا بتصرف شفاف وواضح ومعلوم من الجميع، وهذا الامر يتعلق بشكل خاص بموضوع برز للملأ العام من خلال تسريبات إعلامية وسياسية، أولهما، مرسوم التجنيس الذي صدر قبل وقته المتعارف عليه بأربع سنوات وشمل تجنيسا لأشخاص تحوم الشبهات حول أوضاعهم وانتماءاتهم التي قد تسبب للبنان واللبنانيين جملة من المآخذ الإقليمية والدولية، وتسهم في إصابة السلامة الإقتصادية والاستقرار الوطني العام بجملة الأضرار والمساءلات والعقوبات التي بات أمرها معروفا ومكشوفا وقيد التنفيذ العملاني من قبل عدد من الدول الإقليمية والدولية وفي طليعتها كل من دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية وجميع الدول المشاركة في مؤتمر «سيدر» والتي أعطت لبنان وعودا والتزامات مالية إنقاذية وأشفعتها بشروط تستدعي من لبنان تحقيقها بكل شفافية ومصداقية وبعد عن الطرق والأساليب الملتوية.
أما الموضوع الآخر الذي أطلقته وسائل الإعلام الإيرانية والمتعلق بموضوع جوازات سفر الإيرانيين وإعفائهم من ختم جوازات سفرهم لأسباب يمكن أن تكون معروفة ومفترضة وتزامن موضوع التجنيس مع الكثير من نتائجها الإفتراضية السيئة على لبنان، مضافا إليها أن تكون تلك التسريبات الإيرانية لغماً آخر يزرع مستهدفاً الساحة اللبنانية والجهود المبذولة لتشكيل وزارة جديدة في أقرب وقت ممكن، بحيث يصب هذا التصرف في جدول العرقلة التي تتم المناورات من خلال تطويل أمدها تحقيقا لنوايا عبّر عنها قائد الحرس الثوري الإيراني سليماني بكل وضوح عندما تحدث عن نتائج الإنتخابات اللبنانية الأخيرة بشكل منحرف عن الحقيقة والواقع، وتصوير الوضع القائم بما يحرج الجميع ومن بين المحرجين دون شك، حزب الله نفسه.
وماذا بعد: عيوننا ترقب مساعي تشكيل الوزارة الجديدة وجهود الرئيس الحريري الجادة والمخلصة بهذا الخصوص، فالتشكيل السريع وحده ينقذ لبنان من عثرات كثيرة قد تطاوله لا سمح الله في حال تعثر التكليف، فلبنان لم يعد يتحمل مزيدا من الإعاقات المقصودة تحت أي ظرف وأية تصرفات مشبوهة، وبانتظار تشكيل الحكومة الجديدة بعيدا عن المناورات والمؤامرات: يكون لبنان أو لا يكون.
المحامي محمد أمين الداعوق