“التهدئة” في لبنان التي لا ترقى الى تسوية، وبالتأكيد لا ترقى الى حل للازمة، افضل من “لا تهدئة”، على الرغم من انها لا تلامس الاساسيات المختلف عليها مثل سلاح “حزب الله” غير الشرعي، وميليشيات “سرايا المقاومة” الاقرب الى عصابات يجري تجميعها هنا وهناك بالمال والسلاح وكل أنواع الممنوعات، واخيرا وليس آخرا موضوع تورط “حزب الله” في الدماء السورية. و”التهدئة” المتفق عليها التي تنسحب على بعض الخطوات الجزئية كالخطط الامنية المحدودة في بعض المناطق، تظل افضل من لا شيء. واذا كان جمهور الاستقلاليين يعترض على كون الخطط الامنية يجري تطبيقها على فريق من دون فريق، فإن بعضه ينسى او يتناسى ان من مصلحة القوى الاستقلالية وجمهورها ان يعم الهدوء، ويسود القانون مناطقهم حتى لو بقيت مناطق نفوذ “حزب الله” خارج الخطط الامنية، وبهذا فإن البيئة الحاضنة للحزب، بسكوتها على سلوكيات احتقار القانون تزيد صعوبة العيش في مناطقها حيث تنحدر نوعية الحياة عن سائر المناطق الاخرى. بمعنى آخر، ان المناطق التي يطبق فيها قدر اكبر من حكم القانون قابلة للنمو الاقتصادي الحقيقي، ولرفع مستوى الحياة فيها اكثر من تلك التي تسود فيها شريعة الميليشيات والعصابات.
قد يبدو هذا الكلام كأنه ينطوي على تمييز بين اللبنانيين، والمناطق. هو كذلك. فمن يقبل بكلام صادر عن قيادي في “حزب الله” يعتبر فيه ان “من انتمى إلى المقاومة وواكبها وحضنها وسار في نهجها، هو المواطن الأول الذي من موقعه يعطي شرف المواطنة لأي أحد آخر”، عليه ان يتوقع ان يواجه بمنطق مناقض يعتبر ان ما يسمى “مقاومة” ليس سوى ميليشيا مسلحة تعتدي على الوطن والمواطن وعلى الكيان ومستقبله.
في مطلق الاحوال، ومع اليقين بأن “حزب الله” سيعود لينقض مرة جديدة على الاستقلاليين متى سنحت له الفرصة، في محاولة لاستكمال السيطرة على البلاد، وامامنا مثال حي في اليمن، فإن “الحوار” على محدوديته يريح اللبنانيين من كل الاطراف، ويمنح البلاد فرصة لالتقاط انفاسها.
إن المصلحة اللبنانية تقتضي مواصلة تثبيت مفاعيل “التهدئة” وخصوصا ان النيران السورية مرشحة لمزيد من الاستعار، مع قرب انهيار دفاعات النظام في سوريا ومعه الميليشيات المذهبية المساندة عند خط الدفاع الاول عن دمشق على مثلث درعا – القنيطرة – الغوطة. فعلى الرغم من الهجوم العنيف الذي يشنّه النظام وحلفاؤه عند هذه النقاط، تدل الاشارات كلها على ان دفاعاته يمكن ان تنهار قبل الربيع، ليتم الربط بين جبهة الجنوب ومحيط دمشق.
“التهدئة” جيدة، لكنها ليست اكثر من تهدئة، ويستحيل ان ترقى الى تسوية او حل قبل ان تتغير طبيعة “حزب الله” في العمق. اننا في مرحلة انتظار.