اهتم افرقاء سياسيون، ولا يزالون، بمحاولة معرفة موقف المملكة العربية السعودية من تسوية ظهرت بشائرها بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه، من ابرز بنودها دعم ترشيح الاخير لرئاسة الجمهورية الشاغرة منذ سنة ونصف سنة، انطلاقا من ان ما سرى من شائعات عن تعطيل المملكة دعم ترشيح العماد ميشال عون العام الماضي، قد يسري على فرنجيه لكون الاثنين ينتميان الى محور تحالفي واحد مع النظام السوري و”حزب الله”، او ربما تعويلا على ان يصح ذلك بالنسبة الى البعض. إلا أن المعادلة التي اعتمدها الافرقاء السياسيون خلال مدة الشغور الطويلة في الرئاسة الاولى، لجهة انتظار المملكة السعودية وايران حتى تتفقا بما يساعد على انهاء الشغور الرئاسي، قد تبدلت وفق ما تكشف مصادر وزارية، بحيث ان كرة الاتفاق بين مختلف الاطراف قد انتقلت الى الداخل اللبناني، ولن يكون لدى الخارج مانع في حال الاتفاق بين اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد، بعدما غدا هذا الخارج مثقلا بمسائل أكثر أهمية ونزع عن كاهله المسؤولية التي يلقيها عليه اللبنانيون لجهة استمرار التعطيل في موقع الرئاسة الاولى. اضف الى ذلك انه لن تكون هناك مشكلة اقليمية حول تسوية الرئاسة إذا كان ثمة توافق داخلي، لان أحدا لم يعد مهتما فعلا بهذا الموضوع، مما يعطل الرهان على ما اذا كان هناك ضوء أخضر للسير بهذه التسوية ام لا. لكن السؤال بالنسبة الى البعض بات يتصل بما إذا كان الافرقاء اللبنانيون سيعودون الى وضع الكرة مجددا في ملعب الدول الاقليمية في حال رفضوا التسوية الداخلية التي تتضمن دعم ترشيح سليمان فرنجيه للرئاسة الاولى، مع صمت معبر يلتزمه “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية” في شكل اساسي، ويشي برفض هذه التسوية ، اقله في الوقت الراهن ولو من دون الاعلان الصريح عن ذلك، ام ان الامر سيحفز، اضافة الى المساعي والاتصالات الداخلية، على جولة ضغط ديبلوماسية من الخارج عبر البعثات الديبلوماسية في بيروت، لعدم عرقلة هذه التسوية اذا لم تكن هناك موافقة كلية عليها نتيجة الكلفة العالية التي قد تترتب على هذه العرقلة، ما لم يصر الى طرح بدائل مقبولة. وهذا يرشح تسوية الرئاسة لاستنزاف المزيد من الوقت، بحيث قد تتأخر اكثر بكثير من المهل التي ذهب البعض الى تحديدها، كأن تكون نهاية السنة الجارية موعد انهاء الشغور حتى في حال عدم رفض التسوية كليا، وفي حال دخول الطرفين المعارضين، او بالاحرى الاطراف المسيحية الثلاثة المعارضة اذا عُدّ حزب الكتائب الى جانب “الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” في مفاوضات عسيرة تحت سقوف مرتفعة جدا من اجل تحصيل القدر الاكبر من حلفائهم للسير بالتسوية، كما من الرئيس العتيد.
والاحتمالان، اي احباط التسوية او المساومة على حصص كبيرة فيها واردان، ليس من الاطراف المسيحية المذكورة فحسب بل من آخرين ايضا، خصوصا بالنسبة الى التفشيل متى اعتبر انتخاب المرشح فرنجيه استكمالا لانتصار بشار الاسد في سوريا، وفق ما ذهب البعض من حلفائه او خطه الى القول، الامر الذي لن يساعد الزعيم الزغرتاوي اطلاقا، بل على العكس، كما يصعب من مهمة الاخرين السير بانتخابه، فيما يروج آخرون لوعود او تعهدات لا بد ان فرنجيه قطعها، خصوصا للسفراء الاميركيين الذين عملوا على تسهيل الوصول الى هذه التسوية حول المسار الذي ينوي انتهاجه، علما انه بالنسبة الى البعض كان ليكون اسهل بكثير تسويق امكان انتخاب فرنجيه لو ان المرحلة الانتقالية في سوريا دخلت حيز التنفيذ. وهذا لا ينفي ان هناك مهمة صعبة تنتظر الرئيس سعد الحريري، جنبا الى جنب مع المملكة السعودية، على الارجح من اجل تسويق التسوية التي تقضي بدعم انتخاب فرنجيه لدى جعجع، في ظل حرص أكيد من زعيم “تيار المستقبل” على عدم فقدان حليفه المسيحي الاساسي. والمهمة نفسها تنسحب على “حزب الله” من اجل السعي مع حلفائه الاقليميين الى اقناع العماد عون الذي لا يريد ان يفقده ايضا، فيما اقناعه صعب جدا، ولا يزال يصر البعض على ان عون يستمر مرشح الحزب وقوى 8 آذار حتى الان. وبالنسبة الى بعض المراقبين السياسيين، ليس سهلا على عون الذي شكل رأس حربة لدى حليفه الشيعي في وجه الخصم السني لهذا الاخير لوقت طويل حتى ابان جلوس كل من ” حزب الله” و”تيار المستقبل” الى طاولة حوار ثنائية تستمر من بضعة اشهر، ان يقبل التضحية به متى هدأت الامور بين الطرفين الشيعي والسني. واذا كان عون لن يعلن رفضه علنا لترشيح فرنيجه، فانه لن يسهل الحصول على موافقته تحت عناوين مختلفة قد يكون من بينها قانون الانتخاب، شأنه شأن القوى المسيحية الاخرى في هذه النقطة. والحال نفسه ينطبق على جعجع الملتزم بدوره الى جانب حليفه السني والمفوض منه ان يكون رأس حربة ضد خصمه الشيعي وداعميه الاقليميين، ان يتم القفز بهذه السهولة وفق تبني ترشيحه رسميا من قوى 14 آذار الى دعم ترشيح مرشح قوى 8 آذار.
واذ لا يجوز استسهال هاتين العقبتين الاساسيتين امام دعم ترشيح فرنجيه، باعتبار ان هناك مفاوضات صعبة جدا على الطريق على نحو يترك الامور غير محسومة فعليا.