نادراً ما تجاوبت الوقائع وطابقَت التمنّيات. ونادراً جداً ما حاول اللبنانيّون الاتكال على أنفسهم، سواءً في استحقاقاتهم الأساسيَّة، أم في أزماتهم الكبرى. فالاتّكال دائماً على الخارج.
لقد كانت “أعجوبة” انتخاب الرئيس سليمان فرنجيَّة بإرادة لبنانيَّة صادقة. مرَّة يتيمة، لم تتكرَّر حتى يومنا هذا. ولن تتكرَّر.
فكلُّ ما في لبنان يوحي أن أموره إلى الوراء، لا إلى الأمام. ثم لا ننسَ أن اللبنانيّين اتّكاليّون من الدرجة الأولى. الهمُّ الوحيدُ الذي يُلازمهم هو المال والربح، والمزيد منهما. ولهذه الناحية قيل فيهم إنهم لا يختلفون عن أجدادهم الفينيقيين. أو “المركنتيليين” المتفوِّقين في المجالات التجارية وفروعها.
وباعتبار أن معظم أو كل الأزمات والمشكلات التي ابتُلي بها لبنان في هذه الحقبة، يعود فضلها لـ”الفراغ الرئاسي”، كان من الطبيعي أن يحاول أصدقاء قُدامى لهذا البلد مصارحة أهل لبنان بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم، وينصحوهم بعدم انتظار أيَّة مساعدة من الخارج، ومن الدول الكبرى بصورة خاصة: اتَّكلوا على أنفسكم، واقلَعوا شوككم بأيديكم. ما حدا فاضيلكم.
المشكلة الكبرى، بل المأساة الكبرى، أن العلّة ليست في الخارج بل في الداخل. فالناس هنا اعتادوا أن يأتيهم اسم الرئيس العتيد وعبر الهمس أو في مغلَّف مختوم، لا يُفتح إلا حين يُدق جرس افتتاح الجلسة الانتخابيَّة…
ولكن، على مَنْ تقرأ مزاميرك. فريق من اللبنانيّين يتّهم إيران وحلفاءها بخطف الاستحقاق الرئاسي، وتحويله وسيلة مساوَمة مع الدول العظمى. وحتى في قضايا الداخل.
هذا ليس كل شيء وكل ما جاء في الرواية. فهناك مَنْ يتحدّث عن تخطيط وتجهيز الأجواء والأسباب التي تصل بالبلد المشقّف إلى “مؤتمر تأسيسي” يقلب الصيغة اللبنانية رأساً على عقب.
والمتحدِّثون عن هذه الاحتمالات والنيّات، إنما يحطّون المسؤولية في حضن “الحلفاء” في لبنان، الغنيّين عن التعريف.
أيّاً تكن الأسباب، والاحتمالات، وحتى المؤتمرات، لم يعد من الجائز السكوت عن فضيحة الفضائح المتمثِّلة بالفراغ الرئاسي، وتعطيل البلد والدولة، إلى الشلل الشامل الذي يطوِّق الأغنياء والفقراء على حدٍّ سواء.
حتى لو كانت هذه الترويجات مجرَّد حلم ليلة صيف، أو كانت صحيحة بنسبة ما، فإن التأخير المتعمَّد والصمت المُريب، يُثيران القلَق في نفوس كل اللبنانيين. كما البقية الباقية من أصدقاء لبنان في المنطقة العربية وخارجها.
ليس مستغرباً أن يلعب الفأر في أعباب الأقليات المسيحيَّة والتي تتآكلها نوبات الهجرة عبر الجو والبحار. وخصوصاً إزاء صمت مَنْ يُفترض أنهم حُماة الديار ومتزعِّمو الساحة.
مرّة أُخرى نندب غياب القيادات وأصحاب القامات والزعماء الحقيقيين. وخصوصاً على المستوى المسيحي.