«فإن قليل الحب بالعقل صالح وإن كثير الحب بالجهل فاسد بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد« (المتنبي)
لو قلنا إن أحد أهم مدارس الإرهاب في العالم على مدى العقود الأربعة الماضية هي مدرسة الحرس الثوري، فليس الأمر من قبيل الاتهام الذي يطلقه الأخصام على بعضهم البعض، بل إن الوقائع المتراكمة منذ اليوم الأول لعودة الخميني إلى إيران سنة تؤكد صحة هذا التوصيف.
لقد بدأ عهد ولاية الفقيه باحتجاز موظفي السفارة الأميركية في طهران كرهائن لأكثر من سنة بما يخالف كل الأعراف الديبلوماسية فصنفت الخطوة بخانة الإرهاب.
ومن بعدها قامت سلطة الولي الفقيه بحملة إرهاب وإعدامات جماعية لكافة المعارضين للحكم المطلق الجديد، ومعظمهم كانوا رفاق درب ومناضلين في وجه الشاه. وقد استعمل الخميني القضاء الثوري بقيادة المدعي العام «آية الله صادق خلخالي» لترهيب الخصوم.
أما في خارج إيران فقد تولّت أذرع إيران الثورية المهمة ومن ضمنها منظمة «المستضعفين في الأرض» و»الجهاد الإسلامي» مهمة الأعمال الإرهابية الكبرى، ومعظمها كان في لبنان، من تفجير مقار المارينز والجنود الفرنسيين وتفجير سفارات أميركية وعراقية، وعمليات خطف لأشخاص وطائرات واغتيالات سبقت وترافقت واستمرت إلى ما بعد إعلان ولادة «حزب الله« سنة .
المهم هو أن إيران وأدواتها صنفت عالمياً في مصاف المنظومات الإرهابية لسنوات طويلة قبل أن يحتل الإرهاب المنسوب إلى تنظيم «القاعدة« موقع الصدارة منذ سنة تقريباً.
في تلك الفترة ظهرت في الولايات المتحدة أصوات أكاديمية وسياسية ذات أصول شيعية لتتحدث ببراغماتية غير غريبة على صناع القرار في أميركا. هذه الأصوات اعتبرت أن التطرف الإسلامي الشيعي المتمثل بولاية الفقيه وأدواته في إيران وخارجها له قيادة معروفة وموحّدة يمكن التفاوض معها أو حتى بناء تقاطع مصالح مع بعضها أو كلها، في حين أن التطرف الإسلامي السني فوضوي ولا يعترف بقيادة محددة ويكفر كل جناح فيه الجناح الآخر مما يجعل إمكانية التواصل معه مستحيلة. بناء على ذلك فقد سلكت تلك الأفكار طريقها كخيار ممكن في أروقة البيت الأبيض خاصة بعد ظهور تنظيم «القاعدة« في عمليات ضد مصالح أميركية في القارة الأفريقية. لكن هذا الطرح أصبح خياراً أساسياً بعد عملية البرجين في نيويورك سنة 2001 ، فتحول العالم الإسلامي السني إلى عدو مطلق للغرب، وأصبحت دول الخليج العربي، والسعودية بالذات، في موضع الاتهام برعاية الإرهاب فكراً وتمويلاً من خلال مدارس فقهية تعتبر متطرفة بداية بالحنبلية مروراً بالتيمية والوهابية والقطبية.
هذا الواقع فتح الباب واسعاً أمام إيران وأدواتها للتمدد إقليمياً بعد أن ضربت طالبان في أفغانستان ومن بعدها صدام حسين عدوها اللدود في العراق.
وهنا، ومع استمرار الولي الفقيه في رفع شعار» الشيطان الأكبر» و»الموت لأميركا»، نشأ تعاون غير معلن بين إيران والولايات المتحدة الأميركية ظهرت مفاعيله بشكل واضح في مساكنة مريبة في العراق بين الطرفين.
هذه المساكنة عادت وتظهرت مرة ثانية في الاتفاق النووي الأخير، وبعد ظهور داعش وتفشيها في سوريا والعراق، وما تواجد قوات النخبة الأميركية والحملة الجوية جنباً إلى جنب مع قوات قاسم سليماني المتعددة الجنسية لمواجهة «الإرهاب السني» سوى دليل واضح على ذلك.
بالطبع فقد تجددت الاتهامات المعتادة للسعودية حول دعمها للتطرف، وترددت أصداء هذا الأمر في الأوساط الغربية، وعادت وطرحت من جديد مسألة التعاون مع أنظمة القمع في سوريا وإيران لمواجهة الإرهاب الداعشي.
هنا ظهر الملك الراحل عبدالله في إعلانه العداء للإرهاب والتطرف على المستوى الفكري والفقهي والديني والسياسي، وإن لم يترجم يومها بإجراءات عسكرية واضحة عدا العمل الأمني ضد المجموعات المتطرفة داخل المملكة.
اليوم يأتي إعلان إنشاء الحلف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب، وإن كانت تفاصيله لم تعرف بعد، ليسحب أحد أهم وسائل منظومة ولاية الفقيه الإقليمية للمواجهة مع الآخرين من خلال اتهامهم بدعم الإرهاب، ومن هنا فورة «حزب الله« وهجومه على هذا التحالف.
ما يهم اليوم هو أن تتم ترجمة هذا الحلف بإجراءات على الأرض تؤدي فعلاً إلى قمع الإرهاب بكافة أنواعه وإزالة مسبباته.