يعتقد عاملون جدّيون في مركز أبحاث أميركي عريق وموضوعي أن إعلان زوار موسكو من المسؤولين الكبار في إيران أن العلاقة بين بلادهم وروسيا دخلت مرحلة جديدة في كل المجالات، وأن إعلان زملائهم الروس بدء تسليم إيران صواريخ 300 – S، أن ذلك جزء من شراكة غير مسبوقة بين البلدين اكتملت بعد طي المجموعة الدولية 5+1 وإيران الملف النووي للأخيرة. ويعتقدون أيضاً أن ما يقود هذه الشراكة في صورة أساسية هو التنافس السياسي الحاد بين معتدلي إيران ومحافظيها.
ما هو الهدف الذي يسعى المعتدلون إلى تحقيقه والمتشدِّدون؟
يسعى المعتدلون، في رأي الباحثين أنفسهم، إلى تبنّي بلادهم الأنموذج الصيني الذي يقضي بتحرير الإقتصاد، وبالإنفتاح الديبلوماسي على العالم، وبالمحافظة على المناخ السياسي المحافظ في البلاد. وهم يعتقدون أن الرئيس الأسبق الشيخ هاشمي رفسنجاني حاول تنفيذ الأنموذج المذكور بفتح اقتصاد بلاده على اقتصاد السوق الحرّة وبخطوات إنفتاحية محدودة على أميركا. ونمط التفكير هذا دفع الرئيس الحالي الشيخ حسن روحاني إلى بدء محادثات حول نووية بلاده مع المجتمع الدولي واختتامها باتفاق.
أما المحافظون المتطرِّفون فلا يرون جاذبية في الأنموذج الصيني. ذلك أن الولي الفقيه السيد علي خامِنئي و”الحرس الثوري” والمؤسسات الأمنية يخافون أن يدمِّر تحرير الإقتصاد مصالحهم السياسية والمالية، وأن يؤدّي إلى انهيار نظام إيران. لكنهم يرون جاذبية في أنموذج روسيا وخصوصاً في ظل قيادة “القيصر” فلاديمير بوتين لها منذ نحو 13 سنة. وسبب ذلك هو تأمينه أمن الدولة وضبطه في استمرار مع الإقتصاد وذلك لمنع أي تغيير للنظام قد تدفع إليه الولايات المتحدة. وسببه أيضاً أن النظام يمكن أن يقدم على تحرير إقتصادي مُعيَّر وخصخصة محدودة تفيد الموالين للنظام وتسمح لهم بالاستمرار في معاداتهم لأميركا.
طبعاً ينطلق الباحثون الأميركيون أنفسهم وغيرهم في مراكز أخرى من اقتناع راسخ بوجود انقسام فعلي وجدّي وحاد داخل النظام الإيراني وخصوصاً في المرحلة الراهنة. إذ إن رئيس الجمهورية روحاني الإصلاحي المعتدل على تناقض في رأيهم مع خامِنئي المتشدِّد والمحافظ، وأعضاء حكومته على تناقض شبه تام مع “الحرس” والمؤسسات الأمنية والهيئات الدينية. هذا الإنقسام حادّ أيضاً داخل مجلس الشورى. ويصلون إلى استنتاجات بأن الانقسام والتنافس سيتحوَّل صراعاً وستكون له مضاعفات مستقبلاً سلبية أو إيجابية بحسب مصالح الناظرين إليها، منها تخلخل النظام ومنها ترسيخ أقدامه أكثر ومنها وقوع إيران في الأخطاء والفوضى وربما الفتن الداخلية.
ما مدى انطباق تحليلات مراكز الأبحاث لـ”الإنقسام” المذكور أعلاه ورهانات أعداء النظام الإيراني على الواقع؟
العارفون بإيران الإسلامية كما أبناؤها يعترفون بداية بانقسام تنافسي بين المحافظين والإصلاحيين. لكنهم يبدأون بتقويم مرحلة خامِنئي – روحاني الحديثة العهد فيقولون إن هذا الثنائي منسجم ومتعاون إلى أبعد الحدود. فروحاني كان المرشّح الفعلي لخامنئي في الانتخابات. والأخير لم يتدخّل لتوفيق “المرشحين” المحافظين على واحد ينافس بنجاح روحاني لأنه أراد ضمان فوزه بتشتيت الأصوات. وروحاني جزء من المؤسسة الدينية الأمنية الإيرانية، وهو يجتمع مرة أو اثنتين اسبوعياً بخامنئي وينسِّق معه. ويقولون أيضاً ان المحافظين أصحاب الملاحظات على الاتفاق النووي اعترضوا عليه لأنهم كانوا يريدون أن يكونوا أصحاب هذا الإنجاز وأن يضاعفوا رصيدهم الشعبي جرّاء ذلك. ويقولون ثالثاً إن المحافظين كما الإصلاحيين ليسوا واحداً فهم يتنقّلون بين “الضفتين” في استمرار تبعاً للمصالح والاقتناعات. ويقولون رابعاً إن “المحافظ” نجاد اختلف في ولايته الثانية مع “ولي نعمته” السيد خامِنئي و”تكابش” معه وخسر في النهاية، وإن الرئيس الأسبق محمد خاتمي اختلف والولي الفقيه على أمور لكنه وكجزء من النظام استمر في دعم المقاومة و”حزب الله” في لبنان. ويقولون خامساً وأخيراً إن التوصُّل إلى تسويات مع إيران يقتضي فهم ما يجري داخلها. فرئيس الجمهورية يمضي عادة ولايتين فيها سواء كان مختلفاً مع الولي الفقيه أو لا، علماً أن ذلك يتوقف على درجة الاختلاف وسببه. ويعني ذلك أن روحاني سيعاد انتخابه، وأن هناك في السياسة الإيرانية نوعاً من توزيع الأدوار يصعب فهمه خارجها.